كانت تختلس النّظر إليه، مُنهمك في تأمل الحديقة، لم تُرد أن يتنبه لها، بينما الأم، تُعد القهوة إلى أحد الزبائن.
ألا تعلم، أنّ الحياة، ستهبك في بعض أوقاتها ما كنت ترغبه، وأكبر مما ترغب، نطق بها قبل أن يختفي ظلّه عن دقائق يومي، لتأخذني خُطواتي إلى الشّوارع، باحثًا عن ذاتي الضائعة مُنذ زمن، لا أتذكر كم مضى من الوقت؟!، نحن لا نتقن لغة الأرقام، عندما يتعلق الأمر بالألم والحرمان، نشعر بهما، ونُحاول نسيان عقارب الساعة، حتى لا يكون الوقت، عاملّا، يُساهم في تيه مسافاتنا، وقف مذهولًا، فجأة، مُوزعًا نظراته على الفتاة.
حدّقت بشيء من الابتسامة في عينيه الذابلتين، وهو لايزال، يُحدق فيها، تقدم خُطوات إلى صانعة القهوة، وخاطبها، بعدما أسدل الغياب على الفتاة، لتُهرول باتجاه الباب، وتتوارى عن ناظريه.
من تكون هذه الفتاة، لقد أدخلتني في غيبوبة، لم أبصر حينها ما يُبصر، وأبصرت كُلَّ ما ينبغي أن أبصره.
أجابته: بُني، إنَّها فتاة، تبلغ من الربيع، عشرين ربيعًا، تُوفي والداها مُنذ كانت صغيرة، نتيجة حادث سير، فتكفلت بتربيتها، فليس لها من الأقارب في منطقتنا، ولم يسأل عنها أحد يومًا ما، ترعرعت هُنا، بين رائحة القهوة، وألوان البساتين، طُفولتها، لم تكن، كأي طفلة في مرحلة براءة الطّفولة، إنَّها تختلف عنهم، لما تمتلكه من الحنان، لا أخفي عليك، لقد كانت البلسم، لدقائق يومي، كلماتها، تُشفي وجع الحياة، ابتسامتها تبعث الأمل، عيناها الواسعتان، تجعلاني أبادر إلى العمل بلا كلل، أو ملل.
بُني، إنَّ الإنسان في الحياة، يحتاج إلى من يغرس بين حناياه التَّفاؤل، أن يبُث داخله الضَّوء، الذي من خلاله، يُعطي إلى حياته قيمة، يزيده ثقة بما يملكه من مزايا، ألا تراني امرأة، أخذت منها التَّجاعيد مأخذًا كبيرًا، تفاصيل جسدي مترهلة، ولكني أشع حُبًا إلى الحياة، نبضات قلبي، أشدُّ بها الخُطوات ناحية الرزق الحلال، لأستطيع توفير عيش رغيد، لهذه الفتاة، التي أعطت لحياتي معنى، فليس لي سواها.