الحنين إلى الماضي

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين حبيب إله العالمين المصطفى الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

حياتنا الحاضرة فيها الكثير من وسائل المواصلات والراحة والترفيه والتقدم العلمي في جميع المجالات ووسائل التواصل الاجتماعية بشكل خرافي، ولم نكن يومًا نحلم بمثل هذه الحياة لا نحن ولا آباؤنا أو أمهاتنا -رحم الله من مضى منهم وحفظ الله الباقين.

كلما تقدم العمر بالإنسان زاد حنينه للماضي، نشعر بهذا الإحساس كلما سار بنا قطار العمر ومضى بعيدًا، حنين كبير إلى الأهل والأحبة الدين مضوا من دون رجعة، وهذا الحنين ليس مجرد ذكريات للأيام الخوالي، إنه خليط من المشاعر والشوق، شعور معقد، بحلوه ومره لأوقات مرت في حياتنا مضت ولن تعود، طبعًا ليس حنينًا إلى الظروف القاسية التي عشناها، بل هو حنين إلى من عشنا معهم وتقاسمنا الأفراح والأتراح، وقضينا أحلى أيام الطفولة والعمر معهم، ومن الطبيعي أن يكون ذلك، حنينًا وشوقًا إلى أماكن لم تعد موجودة من طرقات وممرات ضيقه بين البيوت، حنين إلى الحارات والفرقان (الفرجان) والأسواق، وكذلك حنين إلى مدارس الطفولة ومرحلة الشباب، حنين إلى مزارع النخيل والأشجار المثمرة الكثيفة التي مشينا خلالها وأكلنا من ثمرها، حنين إلى عيون الماء المتدفقة الطبيعية (بركة سباحة) التي سبحنا فيها وقضينا أحلى الأوقات.

من منا ليس بداخله الكثير من الذكريات التي عاشها منذ سني الصغر وأيام شبابه، وهي تتجدد من حين لآخر كلما تذكر شيئًا من ذلك الماضي، لم تنسِه الأيام ولم تستطع محوها من ذاكرته.

وكيف ينسى الإنسان أباه أو أمه أو أخاه أو أخته أو أقاربه أو أصدقاءه الذين عاش معهم أسعد الأوقات لكنهم مضوا من دون رجعة، صورهم وذكرياتهم محفورة داخل الذاكرة والقلب.

من أقسى الشعور الحنين والشوق الذي يعانيها الإنسان (الأشخاص وأماكن) لا يستطيع نسيانها، ولن تعود إليه إنه شعور حزين وألم قاسٍ.

عند بعض الناس الشوق والحنان يقتل، وبعد الفراق يمزق القلب، حنين إلى حلاوة الكلمة، شوق إلى تلك الابتسامات والنظرات المتبادلة، إنه شوق إلى لحظة اللقاء عند مغادرة دار الدنيا.

الذكريات الجملية تشعر الإنسان بالأمان وهي لا تترك له فسحة من العيش في الحاضر دون تذكر الماضي إذا علمنا أن الماضى لا يرجع وبقيت منه فقط ذكريات.

قد يتحول الحنين إلى شيء مرضي عند البعض ممن يجدون سعادة حياتهم العيش في العالم الافتراضي الذي صنعوه لأنفسهم من الماضي الذي تركهم منذ زمن بعيد وأخذ معه كل الذكريات الجميلة التي يفتقدونها في حياتهم.

نحن ننغمس في الماضي دون أن ندرك أن هذا الانغماس القصير سيجعلنا نشعر بتحسن – وهو كذلك يفعل.

في الختام أقول إلى من مضى: ربما عجزت روحي أن تلقاك، وعجزت عيني أن تراك، لكن لم يعجز قلبي أن ينساك.



error: المحتوي محمي