إلى لقاءِ لاحق

إلى المُحَصّنِ بذكر الله.

لقد أشجن خبر فقدانك ذويك ومحبيك، وأغم الآملين بسلامة عودتك وببهاء طلتك ووقار هيئتك. فها قد فاح عبير مناقبك وجميل محاسنك. وما هذا إلا من فضل ربي ونعمته عليك التي أورثت لك في أفئدة الناس حبًا واحترامًا وزادتك رِفعةً وإكرامًا.

لك في ذكر المعبود نجوى لا يدركها إلا هو. إذ أَلِفتُ مواظبتك على الصلوات وبكاءك في المناجاة. تستهل بأداء الفجر وتلاوة الذكر وتختتم بالشفع والوتر. دَأبتَ صلاة الجماعة واستأنست روحك بأريج المساجد، فشجيتَ وانتحبتَ في أيام وهنكَ وقلةِ عافيتك ملتهفًا تائقًا للعودة إلى سابق عهدك. فما عهِدناك إلا ذاكرًا شاكرًا، ومواليًا صادِقًا.

فلسانك بذكر آل البيت لهج وبحبهم متيم. فلِنوحكَ على المظلومِ بالغربة شابهتَهُ، وبمآثرك اتبعته وبالنُصح والهداية سلكت نهجه. فما أحر جمرة فقدك وما أقسى استيعاب رحيلك. فما الشجن إلا على يتاماك الزائغة قلوبهم على ارتحالك السائلين المولى أن يجعلك بأسنى حالك فليس هنالك ما يجبر خواطرنا ويسكن من روعتنا عدا اليقين بأنك من الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

لك في أجنان الخَلقِ زُلفى يُبتَهج بها. فها قد أقرت أقلام أخلائك عن هيبتك وسخائك. وانتشر صيت أعمالك الدالة على رفعتكَ وإبائك. أُطلق عليكَ بِأبي الجميع، إذ كنت أبًا حانيًا للقصيّ والصفيّ. فَعطفك ظاهرٌ في طيبِ كلامك وخير سماتك يكمن ببشاشة طلعتك ورزانة شيباتك. فقد اجتمع ليوم تشييعك الحشود فهُنا نخبة من أهل العلم وهناك أصحاب الخير والكرم. فحزُنَت عليك قطيفك بمساجدها وصلّت عليك أفواج لا تحتمل الحصر، أمسى إمامُها الأبيّ منيرًا هذا الذي بان الشجى في وجهه عند ذاك العصر. وبعد الدفن بوركت بنعيٍ عن الذي مات بأرض الطفوف، فبفضل الله قد عدتَ سالمًا وقبركَ بالذوي والأصحاب محفوفِ. لا كالذي بكربلاء بات مقطعًا في يوم كان أشد هيبةً من الكسوف. وبالتأبين بُيِّنَ هيامك للرضا غريب طوس وذاع صيت رؤياك للعالم الربانيّ البشوشِ هذا الذي رأيت جلال خياله وصلّيت آخر َصلاة من وقوفِ. ولآخر لحظة من حياتك ذكر الله على لسانك يطوف.

أعاننا الله على فقدك ولوعة فراقك وجعلنا خير سلف لك وقدرنا على إكمال ما ابتدأت وتحقيق ما وصيت. شاءت مشيئة الله أن تكونَ من السابقين ونكونُ من اللاحقين. أسأل القدير اللطيف أن نلقاك في جنان الخلد يا والدي.


مليكة حسن الربابي
ابنة المرحوم الحاج المؤمن حسن عبدالله الربابي



error: المحتوي محمي