ليتني

الأمنيات كثيرة في نفق الحياة المظلم، يحاول كل فرد منا أن يرى بصيص نور الأمل لتحقيق تلك الأمنية، ومنا من تتحول أمنيته إلى سراب بعد أن كانت أملًا يحدوه الشوق والحنين، عندما تكون أمنيته أن يرى إنسانًا يحبه، وقد يبقى الأمل بعد الفراق، فربما يكتب لهما اللقاء من جديد على صفحة من صفحات الأيام المقبلة. ولكن! هناك أمنية طالما أودعتها في أعماق قلبي، ولم أبدها لأحد، أمنية طالما انتظرت لحظة تحققها، أمنية ظننت أني سأصل إلى شاطئها، وأعانق وأتلمس ذرات رمالها، أمنية أرسلتها مع حفيف الرياح لعلها تصل تلك النسمة لتداعب خياله في ذاكرتي، إنها الأمنية التي كسرت على عتبات الزمن، وتحولت إلى ذرات من السراب في ليالي الفراق المؤلمة، قد تتساءلون عن هذه الأمنيات، وتستغربون حرارة شوقي لها، وما عندي سوى أداة التمني ليت.

فليتني كالشتاء قاسية وباردة، كالرياح لا أقف، ليتني ثلجًا لا أُدفئ، أمطارًا كثيفة، جوًا مُوجع، أمواجًا تسحُق كُل شيءٌ، أجل أُريد هذا رغم أني لا أصاحب الشتاء ولكن أعجبتني قسوتهُ، أعجبتني سيطرته وطقسه القاسي!

ليتني كالشتاء أحمُّل الأمطار والهموم وأُغسل بها هذا العالم ليصفو قليلًا، ليعود إلى وعيه، ليتني كالشتاء شارعًا ممتلئًا طينًا أتمسك بالذي يلمُسني وأشوُهه، ليتني كالشتاء ضباب ورياح لا أتمسك بأحد. ليتني كالشتاء عاصفة أهزُ أيّ شيء، ليتني كالشتاء لا أتعاشر ولا أُقارن بأحد مِن شدة قسوتي، ليتني كالشتاء حربٌ أشعل بها الأرض ولا أُحن، ليتني لم أقترب من الأشياء التي أعجبتني حين لمحتها أول مرة، ليتني بقيت أنظر لها فقط من بعيد. ليتني كالشتاء مُعَتمة ومظلمة جدًا وياليت هذا يتحقق يومًا.

يقول العباس بن الأحنف:
يا لَيتَ شِعري وَما في لَيتَ مِن فَرجٍ
هَل ما مَضى عائِدٌ مِنكُم وَما سَلَفًا

اصرِف فُؤادك يا عَبّاسُ مُنصرفًا عَنها
يَكُن عنك كَربُ الحُبِّ مُنصَرفًا

ختامًا
ليت الأمنيات تتحقق، وليتنا نقدر على عدم الحلم بها، ولكن قدرنا يأبى إلا أن يجرعنا مرارات الحرمان، كي تظمأ نفوسنا وتشتاق قلوبنا لمعرفة المجهول، ويبقى فكرنا تائهًا وقلبنا متعلقًا وروحنا دائمًا تناشد وتبحث عن شيء ربما قد ضاع منها في زحمة الأفكار وفي ساعات اعتناق الليل بالنهار، تبقى لتؤكد أننا أقوى من الحلم نفسه وأقوى من تداعيات الزمن الخؤون الذي ارتمينا بين أحضانه، معذرة ليس الزمن هو الخؤون ولكن الأفراد  هم المتصفون بهذه الميزة.



error: المحتوي محمي