لِقاءُ الإلهام..

كانت أمسيةً ساحرة أسابقُ الزمنَ فيها لُهاثاً نحو خاتمةٍ وشيكةٍ وفي أثنائها تشرقُ البدايات وتتقدُ النهايات؛ وليت مُسَامِري فيها جاد عليَّ حتى نسماتِ الصباح(*) ..

كنتُ بخيلاً؛ لا حبّاً في صفةٍ أمقتها؛ ولكن لأتزودَ من تدفق شلال المعاني وجواهر الألفاظِ لرحلةِ السندباد..

وكنتُ نَهِماً؛ فقطراتُ المطرِ سخيةٌ تتهاطلُ من غيمةِ المشاعر،،

وسخياً في ذاتِ اللحظة المشعة، فموجُ الأفكارِ المتلاطمة تنتابني ليرشحََ ما في قلبي على لساني من هواجسِ الأبوةِ الملحّة ولهفةِ الرحمة الخلّاقة..

وأراني منبهراً مصغياً بشوق لكل حرفٍ من رشحات صديقٍ صفيٍّ أمام خدنه الوفي، بعد فراقٍ طويل يعودُ مزوداً بعلوم ومعارف؛ المحظوظُ من ينالُها والسعيدُ من تّطرِقُ بابه..

وهو يثاقفني؛ قد لا أفقهُ تنبيهاتِ ما يقول، أو إشارات ما يتلطف به؛ بيد أني أعي تماماً نشيد نبضات قلبهِ الصادق..

مرحى لهذه الروح التي يراد لها أن تكتسي بكساء الأخ والصديق والمربي من غير أن تستنكف لباس الطالبِ النجيب أمامَ المعلمِ الحبيب، بذات اللحظةِ وذات الانبهار..

هكذا كان لقائي به..
وكذلك كنتُ في غمرة أمواجِ الذكريات..

فتى يافع يخوض لُجَجَ الكفاحِ لأكثر من عشر سنواتٍ سمانٍ؛ ليعود متوجاً بتاجَ النجاحِ ومكللاً بالانتصار..

غادرني طالباً ينهلُ من ينابيعِ الدراسة وهاهو ذا يؤوب أستاذاً مُلهَمَاً يسطّر لي دروس الحياة..

أوليست الحياةُ ملأى بالمفاجآت، والليالي حبلى بالإخفاقات والنجاحات..

وما النجاح والارتقاء إلاّ من فيوضات الرزّاق الرحمن، وهباتِ الوهّاب المنّان..

(قالَ هذا من فَضْلِ ربي) تلتمعُ في لقائنا الممتع بين الومضة والأخرى كلّما طرق سمعي شيء من توفيقاته، ونور (وهُو أرحمُ الرحمين) يتجلى لفضائي في طياتِ حديثِ التعبِ وهمومِ الكفاح..

انقضى هزيعٌ من الليلِ وأنا لا أكادُ أشعرُ ماذا يحوم حولي! غير ذاكَ الوهج الشفيف الذي أتتبعهُ أينما تلفتَ هو بوجهه المنير..

ويا لغرابة مشاعر المراهقةِ والفتوة عندما يتلبسها الشيخُ الوقور..

لعلّها كانت تلك المطامحُ التي كم كنت أحلم بها؛ فيا لسعادتي حينما أراها متجسدةً في شخصِ حبيبٍ من أبناء وطني العزيز..

أو إنها تلك الأماني الجانحاتُ والأحلامُ المرفّهاتُ ها هي ذي ترتسمُ صيداً وافراً في شباكي التي أنهكتها التجارب وأوهتها المصاعب..

لَكِ أيتُها النفسُ الكادحة -إن شئت خلوداً فردوسياً- أن تهشّي لهباتِ الغني الحميد لإخوانك وأودائك أكثر من أن تنتعشي طرباّ لرزقٍ يحومُ حول خيامِك المترقبة، ويطوف في عالمكِ الصغير..

وحسبكِ يا نفسَ صاحبي أن تشكري الله على جليلِ ما أنعم وعظيمِ ما منحَ وقسم فبالشكرِ تدومُ النعم.. (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

أخيَّ أيها الفتى الملهم..
أُعيذُكَ بالله من شرٍّ كلِّ ذي شر..
وأدعو لك الله الرحمن مزيد الخيرِ وتمام العافية وحسنَ العاقبة..

شكراً لك تلميذي..
وشكراً لك أستاذي في النجاح..

——-
*عاد إليَّ -مسعدي وأحدُ طلابي- مرفوع الهامة، عالي الهمة، بشهادة ماجستير في تخصصٍ صعبٍ وشهادةِ ابتكار ورسائل علمية عالميّة راقية ومتفوقاً في لغةٍ صعبة، حرسه الله وزاد في توفيقه وأناله وشبابَ وطننا الغالي مكانا قصيّاً ومقاماً عليّاً..



error: المحتوي محمي