يوم تكلمتْ أشجاري وحكيتُ لها حكايةَ والدي!

عندي شجيرات أمطرت عليها السَّماءُ اليومَ للمرةِ الثَّانية في هذا الشهر، يناير ٢٠٢٢م. كانت مغبرةً قاتمة، يعلوها التراب وعندما زرتها في الصباح أكاد أحلف لكم يمينًا غليظة أنها ابتسمت وتكلمت! نعم، تكلمت وقالت: مرحبًا بك ومرحبًا بهذا الجو البديع الرائع الذي إن طال سوف نَكبر ونَنتشر ونُثمر! وأنا تكلمتُ معها أيضًا، نعم تكلمتُ، وحكيتُ لها حكايةَ والدي الذي ماتَ وهو يحب الشَّجرَ والزرع. حكيتها لها هكذا بالضبط مثل الحكواتي، وهي كانت منصتة:

كان والدي يحب النَّخل والبحر، وهما كانا حبَّ حياته، يعشق فضاءَ البحرِ اللامتناهي وفسحةَ الزرعِ الممتد. حين يضيق عليه الرزقُ في البحر يذهب إلى النَّخلِ والشجر. كبر والدي وعجزَ عن خدمةِ النَّخل والزرع. تصوري أيتها الأشجار أننا لما رأيناه ضعف قلنا له: يا والدنا.. يا سيدنا، اترك عنكَ هذه الخدمة القاسية المُرَّة، رجاءً اتركها، سوف تقتلك باكرًا وأنت مريض! كان والدي يصمت في صمتٍ عجيب ولا يرد، وصمت والدي كان حادًّا مثل منجله، صمته يعني؛ “لا تسألوني عما ليسَ لكم به علم وليس لكم قدرة أن تفهموه”!

ظلَّ والدي يعمل في هذه المهنة وفعلًا قتلته الخدمة أو هو مات، لا فرق. ماتَ والدي وكان يرغب أن يدفن تحت نخلةٍ أو شجرة. تصدقي أيتها الأشجار أن كلَّ أشجاره ماتت معه، وكأنها عرفت مثل شحاذٍ كان يعطيه كريمٌ صدقةَ الليل، أن من يحبها ويعطف عليها ويخدمها مات! اختفت بعده كل البساتين وقامت مكانها جدران، غاضت وجفَّت كلُّ السواقي التي كان يجري فيها الماء ويلعب فيها الصبية والصبايا، وصارت إلى شوارعَ إسفلت تدوسها السيَّارات!

قالت الشجيرات كلمات حاولتُ الإنصات، أول مرَّة لم أفهمها، ثم بعد ذلك فهمتُ أنها قالت: إذًا، الدورُ علينا قادم، إذا حلقوا لحيةَ جارك بلّل لحيتكَ بالماء واجلس على الكرسي! من الأكيد كما أهملتَ أنتَ جداتِنا سوف يهملنا أولادك!



error: المحتوي محمي