وضع هاتفه النّقال جانبًا وأجابها ببعض كلمات لا تخلو من السُّؤال.
المعذرة، ما اسمك؟
أم فادي.
لماذا تقُومين ببيع المشروبات السّاخنة والحلويات؟!
بُني، إنّي أعمل سعيًا إلى لقمة العيش، فلدي ابنتي فادية، لا تزال تدرس في الجامعة.
ألديك فقط فادي وفادية؟!
نعم بُني، فادي سافر مُنذ سنوات، ولا أعلم عنه شيئًا، فقد انقطعت أخباره قرابة العام من الآن!
احمرّ وجهها، وهي تتحدث عن فادي، وانقبض قلبها، كأنّها تُصغي إلى شيء ما، يتقاطع مع الظل.
ما الذي جعله يغيب عنك كل هذه السنوات؟!
أطرقت برأسها، انتابها الحُزن!
تألم قلبه لها، خاطبها: أماه، وصمت فجأة، أراد أن يسترجع قواه، وتهدأ أنفاسه.
أعتذر لقد سببت لك الألم، وذكرتك بابنك الغائب عنك سنوات، أعلم أنَّ قلب الأم لا يحتمل الغياب.
رفعت رأسها، مسحت دموعها بأطراف أصابعها، تدعكها براحتيها، بحسرة قلب، يتألم من الفراق، كأنَّها رُسمت من الصبر والصَّمت والأمل.
أمعن فيها النّظر، مع اهتزاز الكوب في يديه، لتخترق هذه الإنسانة، التي لا تستقر في مشيتها، فقد أخذ منها الزمن مأخذه.
دلفت من أمامه باتجاه أحد الزبائن، وعينيه تُرافقها، مُتعجبًا من عنفوان ابتسامتها، وخديها المُتوردين، تحتوي كل شيء، الإنسان والجماد، كأنّهما يُبادلانها الابتسامة والعنفوان؛ ليشعر من يتعامل معها، بأنّها فتاة عشرينية، تتباهى بمفاتنها.
نحن لا نطلب الحُزن، لا نهفو إليه، ولا ننسجه في مائدة حياتنا، إنّه موجود في ذواتنا، نتخطف الطريق إلى السّعادة، إلى النّجاح، إلى الإحساس بما تكنزه الألوان؛ جماليتها وصباها، هكذا قرأ رسالته الأخيرة قبل الوداع، الذي كان خائفًا من حُدوثه، لكنّه حدث.