التهادي

التهادي هو أقصر الطرق إلى قلوب الناس، فهو يعقد حبل المودة بينك وبينهم.

وخير مثال لنا في عالم الصداقة، هناك أمور صغيرة في بداية الأمر، ربما يتصور البعض أن لا أثر لها ولا قيمة، ولكن يمكنها أن تصنع المعجزات في العلاقة مع الناس، وتقوي العلاقة الحميمة معهم، فكم من هدية أورثت محبة وسعادة ما كانت توازي بحال قيمتها المادية، وكم من هدية حصّنت ترابط الأخوّة والقرابة، وكم من هدية أطفأت نار الحقد والضغينة، كل ذلك أثر طبيعي تكويني للهدية لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها.

فإذا انغلقت الأبواب فعليك بالهدايا، فإنها خير مفتاح، ومما جاء عن رسول الله “صلى الله عليه وآله”: “تهادوا وتحابّوا”، وأيضاً جاء في قوله (صلى الله عليه وآله): “ما أهدى المرء المسلم إلى أخيه هدية أفضل من حكمة يزيده الله بها هدىً أو يردّ عنه ردى”، ونستنتج من هذا الحديث أن الكلمة الطيبة أيضاً من الهدايا وليس شرطاً أن تكون مادية، والهدايا المعنوية تبقى محفورة في القلب مثل البصمة لا تزول مهما مر الزمان.

وكذلك صلة الأرحام والزيارات التي تقوّي العلاقات فإنها مثل الهدايا المعنوية التي تجعل الإنسان قوياً داخلياً، ومن بساطة خُلقنا فنحن نفرح عندما يذكرنا أحدٌ بالخير فكيف إذا ذكرنا أحد وزارنا في مكاننا؟، مما جاء في قول الإمام الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه: “أبلغ من ترى من مواليي السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود صحيحهم على مريضهم، وأن يعطف غنيّهم على فقيرهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإنّ لقاء بعضهم لبعض حياة لأمرنا، فرحم الله عبداً أحيا أمرنا”.

وكذلك الأثر النفسي الذي تتركه الهدية من ميل ومحبة ومودة تسهل على المهدي طلب حاجته على المهدى إليه قضاءها لشعوره بحسن المكافأة، ولو نظرنا بعين العقل لرأينا أن الهدايا المادية مهما كانت قيّمة فهي زائلة النفع منقطعة الفائدة عند الموت، فتنحصر الفائدة والنفع الحقيقي بما يبقى نفعه مع الإنسان بعد الموت وهي الهدايا المعنوية المتمثلة بتعاليم الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام) فإنها أعظم وأنفس ما يهدى وعلى قبول هذه الهدايا العظيمة يتوقف مصير الإنسان في الآخرة.

فلنهادِي بما يرضي الله ورسوله بالنصيحة وبالتبصير بالعيوب، ونتهادى بالهدايا النافعة ونبتدئ بعضنا البعض ولو بقليل الهدية، ونرفع الكلفة فيما بيننا عند تهادينا ولنحسن نوايانا ومقاصدنا وأعمالها والحمد لله رب العالمين.



error: المحتوي محمي