خارج القفص الزوجي.. داخل دائرة الطلاق

نصّت شريعة حمورابي على أنّ من يَسْمل عينا تُسْمل عينه، بينما كانت فلسفة أرسطو تدعو للتنكيل بالمذنب بقسوة، إذ يقول: إذا سمل أحدٌ عين آخر، فليس من العدل أن يكتفى بسمل عينه، فالمذنب يجب أن ينال من الأذى أكثر مما تسبب به.

أما في عهود الإنسانية على مر العصور المختلفة، فإن الإنسان الحقيقي هو من يخجل من فعل القبيح لمن نام معه في فراش واحد، فيخرج من باب لا يفشي أسرار جدرانه.

إنّ الحياة الزوجية كتابٌ مقدس صفحاته المرصوصة بالأيام تتخللها مواقف سعيدة وحزينة تمتلئ بمغامرات الطفولة التي يتخللها حب وقلق وخوف، فإذا حانت ساعة الفراق بين الزوجين تبقى البصمة الجميلة حلقة وصل بين الوالدين وبين أطفالهما.

‏يُقال “دفن الأسرار أدب من آداب الفراق”، وما بعد الطلاق أسرار لا يمكن البوح بها احتراماً لما كان، فكيف تستعر جمرات الخلافات ليدفع ثمن حماقات الكبار الأطفال الصغار؟!

إننا نعلم إلى أي مدى تُساهم القطيعة والمشاكل الزوجية في تكوين جو مشحون بالقلق وافتقاد السكينة والهدوء للأطفال، والمدارس خير شاهد على ذلك، حيثُ يظهر فيها جميع مظاهر التشتت التي تُصيب الأبناء بعد انفصال الوالدين.

نحن نمشي في قافلة بين حضور وغياب، حاول جاهدًا ألا تسرق سعادة الآخرين وتسامح فوق درجات التسامح، فالفراق كلمة صعبة مفادها أنّ معدنك الأصيل يطغى على جميع المواقف، ويظهر حصيلة تربيتك بعد خروجك من قفص الزواج ودخولك دائرة الطلاق، ولا قيمة لحوار يحمل بين طياته الكثير من أدوات التجريح، بدايته أحاديث صاخبة بالفوضى ونهايته صورة وحشيّة طُبعت في ذهن أطفالنا.

ومن طريف ما قرأت عن المطربة فيروز أنها بعد طلاقها من زوجها كانت تتردد عليه كثيرًا في المستشفى بعد إصابته بمرض خطير، وعندما كان يهذي باسمها كانت تقول له: أنا بجانبك.

وبعد وفاته عندما صعدت المسرح أرادت أن تعبر عن ألمها لفقد وغياب طليقها، فجاءت أغنيتها المشهورة عند من يحب سماع أغاني فيروز “سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا، بيعز عليي غني يا حبيبي ولأول مرة ما بنكون سوا”.

مما لا شك فيه أننا نخرج من بطون أمهاتنا بصحف بيضاء نرسم عليها ما نشاء ثم نغادر بكتب خُطّت فيها جميع حركاتنا وسكناتنا جليلها وتافهها، جميلها وقبيحها، بين طياتها معجزات ضخمة نعجز عن الإحاطة بها.

يقول الحق تعالى: (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (الإسراء: 13).



error: المحتوي محمي