السعادة داخل أسوار البيوت

تعتبر الأسرة بؤرة تركيز البحوث العلمية لعلماء الاجتماع، حيث يعطون الكثير من الجهد العلمي للتغيرات التي تطرأ على تكوينها وأنماطها وكل ما يتعلق باستقرارها وتماسكها، وهذا أمر طبيعي، فالأسرة بين قوسين (هي ثروة وطنية)، وعندما نقول ثروة وطنية لا نقصد كونها فقط مصدراً أساسياً “للرأس المال البشري”، بل زيادة على ذلك هي أساس لاستقرار المجتمع وهي القلب النابض لجميع تنظيماته الأخرى التعليمية والاقتصادية والاجتماعية.

الحديث عن الأسرة له دوافعه وأسسه المعرفية والاجتماعية والنفسية، وله أهميته لأنه الحديث عن الأسرة هو حديث عن وجود الإنسان وعن الاجتماع البشري بشكل عام وامتداداته، لذلك ينبغي أن نتوخى فيه الدقة بقدر المستطاع، وليكن الوجه الإيجابي للحديث هو الأهم، من خلال التركيز على تلك المقومات والعناصر التي تساهم في رفع قيمة الاسرة وأهميتها وصناعة عقل ومشاعر جمعيه تعطي للأسرة قداستها وتحافظ على وجودها.

في المجتمعات الإسلامية والعربية تمثل الاسرة الوحدة الاجتماعية الأساسية ونواة تأسيس المجتمع، وتمثل الحاضن الأساس للأفراد وفيها تتشكل شخصياتهم وبنيتهم النفسية، الاجتماعية، المعرفية والقيمية، والتي تحدد ملامح مسيرتهم وسيرتهم في أوطانهم، والأسرة هي المكان الذي يلتمس فيه الإنسان الأمان السكن والسكون والحب والرحمة والمساندة والدعم والرعاية.

تبدأ الأسرة تكوينها بالزواج الذي لا يمثل رابطة تعاقدية بين الزوج والزوجة فحسب، وإنما هو بالوصف القرآني “ميثاق غليظ”، إذ يعد بمثابة انطلاقة لشراكة عهدية، لا تنطوي فقط على حقوق وواجبات بين طرفي العلاقة بل تتجاوز ذلك لتمتد لدور الرعاية والحماية والمساندة لأجيال قادمة، حيث من خلال الأنماط التربوية الإيجابية يرسم الوالدين خارطة طريق المستقبل للأبناء وتتحدد ملامح مستقبلهم من خلال تلك الخبرات التربوية التي يقدمها لهم الوالدان.

أسرة المنشأ هي المكان الأول الذي نتعلم فيه المهارات الاجتماعية الأولى، فهي أول علاقات في حياتنا، وهي المكان الذي نتعلم فيه الكلام والتواصل ونتعلم كيف نعبر عن أنفسنا ومشاعرنا بطريقة بناءة، وهي أيضاً المكان الذي نتعلم فيه الحب ونعطيه، لأن أول تجربة حب كما يقول خبراء التربية يعيشها الإنسان في بيئته الأسرية مع الأم بالتحديد، في الأسرة يتعلم الإنسان أن يكون مستقلاً حراً، وأيضاً يتعلم الانتماء للمجموع الذي يعزز فيه قيمة التعاون وتبادل الخبرات الاجتماعية التي يكون أبرز مظاهرها المحافظة على الذوق العام والتواصل اللطيف.

نستطيع القول بأن سعادة الإنسان تبدأ داخل أسوار البيوت لأنها أساس في تكون النسبة الحاسمة في بنيته النفسية والاجتماعية والمعرفية، وفيها يتم تدريبه على مختلف الأدوار الاجتماعية، هذه المكونات المهمة في شخصية الإنسان هي التي سوف يستقبل بها الحياة فيما بعد، وسيكون سعيه وحركته ونشاطه وإنجازاته متوقف عليها أيضاً بنسبة يعتد بها خبراء التربية، من هنا تأتي أهمية الاهتمام بالأسرة لأن ضعفها في أداء وظائفها الأساسية سوف يكون له تأثير سلبي على الفرد والمجتمع باعتبارها أيضاً ناقلاً أساسياً للتراث والهوية الاجتماعية والوطنية، إذاً سعادة الإنسان سوف تحدد داخل أسوار البيت من خلال تلك الخبرات التربوية الناضجة التي يقدمها الوالدان لأبنائهما.

التعليم يمنحنا رخصة لمزاولة مهنة ما ولكن الأسرة تمنحنا الحياة، والخبرات الأولى التي يكتسبها الإنسان داخل الأسرة ستكون عنصراً حاسماً في علاقتنا بأنفسنا والمجتمع والعالم بأسره، هي الخبرات التي تبقى معنا للأبد، من هنا يأتي الاهتمام بتوفير البيئة الأسرية الإيجابية التي تساهم في صناعة المستقبل المشرق للمجتمعات والأوطان، علينا أن نسعى بشكل حثيث أن تكون أسوار البيوت حاضنة للحب والاستقرار النفسي والنضج الاجتماعي والثراء المعرفي التي تساهم في بناء مجتمع حيوي ومستقر.



error: المحتوي محمي