أبي

ما كنت أحسب فراقك يا أبي
ما كنت يا أبي أعرف أن مشاعري عمياء صماء بكماء دونك
غارقة في الأحزان روحي
باهتة ابتسامتي
ما كنت أدري أني أظمأ لفراقك
واصل حد العطش متلهفًا للقائك
وكلما ارتويت من نهر الحياة
زاد عطشي إليك
وكلما اسودت الأيام
أدرت عيني باحثًا عنك
ولم أجدك
وتدور الدوائر
وتطوي السنين سنينًا عجافًا أخريات
وأنا أعزف لحنها وحيدًا
كم كنت في حاجتك
في كل مراحل حياتي
كبرت بعيدًا عنك
وجرحني بعدك
وصرت أفتقدك
وكلما مرت علي فرحة غامرة
وددتك تشعر بنشوتها معي
وتتوجني تاج النجاح
وترى وهج السعادة على رأسي
وتسمع دقات قلبي الذي يخفق حبًا ولهفةً
لأن تشاركني لحن الحياة وجميل ألوانها
لم أدرك أن الأيام
خبأت حبك لي
وادخرت حنانك
وعطفك
تحت ملاءة السرير الأبيض
ونثرته كالورد على رأسي
وعكة صحية
أقلقت منامي
وأوقدت أحاسيسي الخامدة تحت الرماد
وأثارت شجوني نحوك
كان خبرًا مروعًا
واقعًا صعبًا
مؤلمًا
لم أتوقع لقائي بك
وأنت ضعيف
تئن وتشتكي وجعًا
واتخذ منك المرض متخذًا
ما لك يا أبي
ساهر الليل
ما لك يا أبي والأنين
ما لي أراك ساكنًا
لا كلمة وحركة يدين
جئتك تحملني أجنحة حبك
مسرعًا
لاهثًا
خائفًا
أبي اشتقت لحديثك
اشتقت لنبرة صوتك
لحسك الشجي
لضحكة قلبك
لنظرة عينيك
وضمة صدرك
ما بردت مشاعري
ولا خفت أحساسي نحوك
مازلت الصغير الذي ينتظر منك نظرة الرضا
وشفقة القلب
ولمسة العتب
وهمسة حب
وقبلة جبين
كم تمنيت
وتخيلت
أن تحتضنني
أن تحس جبيني
وتمسح دمعتي
وتضمني بحب وحنين
واليوم
تحقق حُلمي
وصرت حقيقة بين عيني
ها أنا
بعد طول انتظار
أرتمي طفلًا صغيرًا في أحضانك
ما كبرت
يا أبي
ما شاب شعري
ولا شاخ شعوري
ولا خمدت جذوة شوقي إليك
فحمدًا لله على سلامتك وعودتك
لا حرمني الله وجودك



error: المحتوي محمي