للأمانة، العنوان استعرته من بيتِ شعرٍ لأعرابي وعدلتُ فيه قليلًا وأصله هو:
ربَّ العبادِ مالنا ومالكَا … قد كنتَ تسقينا فقد بدا لكا
أنزل علينا الغيثَ لا أبا لكَا
في بيت الشعر خشونة وجفاء الأعرابي عند الطلب، لكنه طلبَ شآبيبَ رحمة من ربٍّ رحيم! وفي البارحة وصباح اليوم أتتنا قطراتٌ من المطر لم تكد تصل الأرضَ إلا وجفت.
نحن في هذه المناطق الصحراوية في أشدِّ الحاجةِ أن يسقينا الله المطر ليجدد ما خزنته الأرضُ في ملايين السِّنين من الماءِ المرتفع الملوحة، ومع ذلك استهلكناه كثيرًا.
معدل نزول المطر في منطقتنا منخفضٌ جدًّا، وملوحة ماء الطَّبقات الجوفيَّة يزيد على ١٠٠٠ جزءٍ من المليون في مجموع الأملاح، وأحيانًا يفوق هذا الرقمَ بأضعاف. وهذا – الارتفاع – لا يسمح بزراعة الأشجارِ المثمرة كما في بعضِ مناطق المملكة والبلدان الأخرى، عدا النخيل والسدر وبعض أنواعِ الحمضيَّات، وما اعتاد النَّاس زراعته من أشجارٍ وخضراواتٍ وبقوليات. أما غير ذلك فيحتاج لماءٍ أقل ملوحة.
لهذا السبب عندما يزرع النَّاس أشجارَ المانجو وغيرها من الأشجار في بيوتهم تعطي ثمارًا طيِّبة، لأن درجة ملوحة الماء أقل بكثير من ماء الطَّبقاتِ الجوفيَّة، لكن ماء المنازل – القليل الملوحة – مكلف في حال استخدم بكمياتٍ مرتفعة.
يا سبحانَ الله، تحتاج النَّباتات الماءَ كما يحتاجه البشر وتتفاعل معه كما يتفاعل معه البشر، وفي دراسةٍ علمية تبيّن منها أن النَّبات يبتهج ويظهر استجابةً مباشرة مع بدءِ نزول المطر، أطلقوا عليها اسم “الذعر”. ويفسر خبراءُ النبات هذا الذعر بأنه استجابة طبيعيَّة لكي يحمي النَّباتُ نفسه من أضرارِ الرطوبة التي تنشر الأمراضَ بين النَّباتات، فكلما كانت الأوراق مبللة أكثر ازدادت فرصةُ تعرض النَّبات للأمراض.
{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ}، أليسَ في هذا دليل على قيادةِ رب العالمين الحكيمة لموجوداتِ الكون، وتحكمه في نظامِ الخليقة والقوانين الطبيعية المتحكمة في الوجود، ووضوح أن هذه العناية تشمل كل موجوداتِ الكون؟!
خلاصة ما تقدم أننا ابتهجنا وابتهج النباتُ بهذا المطر- القليل جدًّا – لكننا نطلب من الله المزيد. نطلبه بتذللٍ وخضوع، فمن غير الله يسقينا إياه؟!