الموز هذه الفاكهة اللذيذة التي ارتبط اسمها قديماً بالحكمة، وسميت بـ”طعام الفلاسفة والحكماء” والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم بمسمى الطلح فقال: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ}، قد وصفه ابن الرومي بقصيدته الشهيرة والتي منها:
إنما الموز إذا تُمكن منه
كاسمه مُبدَلاً من الميم فاءًا
نكهة عذبة وطعم لذيذ
فنعيم متابع نعماءًا
يعتبر الموز الفاكهة الوحيدة المتوفرة في جميع أوقات العام التي لا تكون فيها المحاصيل الأخرى جاهزة للجني، ومن أكثر الثمار إنتاجًا واستهلاكًا في العالم، فاكهة لذيذة الطعم ومستساغة وذات قيمة غذائية عالية، فهي تحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم، ويرى علماء التغذية أن أخذ كمية كبيرة من البوتاسيوم يهيئ حماية فعالة ضد زيادة الصوديوم في الغذاء، وبالتالي تقلل من ضغط الدم بشكل طبيعي، بالإضافة إلى أملاح معدنية مهمة كالفوسفور والماغنيسيوم والكبريت والحديد، كما يتميز بارتفاع محتوى الطاقة حيث ترتفع نسبة السكريات من الجلوكوز – الفركتوز – السكروز بنسب 20 – 15 – 65 على التوالي، كما يعتبر الموز مصدراً غنياً لفيتاميناتC، B6، A.
يستخدم اللون كدليل لجمع ثمار الموز حيث تترك الثمار حتى يتحول لونها من اللون الأخضر الغامق إلى الأخضر الفاتح. لون لب الثمرة وهو معيار للحالة الفسيولوجية، امتلاء لب الثمرة وهو معيار للحالة الفسيولوجية، خاصية رائحة لب الموز في مرحلة ما قبل النضج، هذه المعايير لا تطبق علمياً ويمكن أن تتفاوت من منطقة إلى أخرى بالنسبة لكل نوعية تم حصادها ومزروعة بنفس الطريقة.
بما أن ثمرة الموز سلعة قابلة للفساد بدرجة كبيرة أسرع بكثير من الفواكه الاستهلاكية المشابهة، وذلك نتيجة لسرعة التنفس، ولتجنب النضج المبكر والتغير في لب الموز، فقد لجأت شركات تسويق الموز بقطع عناقيد الموز وهي خضراء، وتشحن في كراتين مبطنة بكيس من البلاستيك حتى يكون هناك توازن بين الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في أثناء عملية التنفس، وتستغرق فترة نقله من مواطن إنتاجه إلى المملكة مدة تتراوح بين شهر إلى شهرين في حالة شحنه بالباخرة، ثم يخزن الموز ليكمل إنضاجه في غرف خاصة ذات درجات حرارة ورطوبة معينة لزيادة فترة الحفظ والصلاحية للثمرة، وأيضاً لتفادي إنضاج الموز أثناء التخزين بجميع الوسائل الممكنة، ويمكن الإسراع في نضج الموز الأخضر باستعمال بعض الغازات الهيدروكربونية غير المشبعة مثل الأيثلين، وذلك في حجرات خاصة محكمة، والتي ترفع معدل نشاط الإنزيمات المحللة وتدفع ثمار الموز إلى النضج، ويكون الإنضاج مصحوباً بزيادة في إنتاج ثاني أكسيد الكربون، ومع أن التخزين في غرف التبريد أطال فترة الحفظ لكن كانت له آثار سيئة على جودة المنتج وبالتالي على القيمة الغذائية له.
بنظرة عامة يمكن أن نقيّم طريقة إنضاج الموز بأنها جائرة، بمعنى أن الموز يفقد العناصر المهمة للجسم، لذا ينصح دائماً بأن يتم تسوية وإنضاج الموز على حرارة الغرفة، وأن يؤكل بعد تمام نضجه لضمان قيمته الغذائية. على أنه لا بدّ من التنويه بناحية بالغة الأهمية في هذا السبيل؛ وهي أن اختيار الموز الذي نتناوله لا يجوز أن يتم اعتباطاً، بل لا بُدّ من أن نوليه اهتمامنا، فالموز الذي يحقق لآكله فائدة كاملة تماماً، الذي تم نضجه بصورة طبيعية، وتحوله من اللون الأخضر إلى اللون المميز للصنف، كما تقل صلابة الثمرة وتلين وتكتسب الطعم والرائحة الخاصة بها، كما يحدث تحول في المواد النشوية إلى مواد سكرية، وبذلك تزداد حلاوة الثمرة وغير ذلك، والموز الناضج سهل الهضم لذيذ الطعم يوصى به للمرضى والأطفال والمسنين على حد سواء، وهنا يجب أن ننوه إلى أن الموز لا يلائم الذين يشكون من البدانة، والمصابين بالسكر، كما أنه لا يلائم المصابين بقرحة المعدة.
ومما يؤسف له أن الموز الذي نتناوله في العادة يفتقر إلى خصائص الموز الذي تم إنضاجه طبيعياً، فهو قد قطف من أشجاره فجًا، ثم نقل ليكمل إنضاجه في المخامر بطرق صناعية، وذلك بإحراقه على نيران الغازات الكيميائية، فهو في هذه الحالة يفقد بعض خصائصه الغذائية.
أما حول ما يثار من استخدام المعالجات الاصطناعية في إنتاج الموز من قبل المزارع وشركات التسويق فيمكن أن نؤكد أنها جائرة.
في ضوء ذلك الإجراء وما وجد منها حديثاً وما كان قائماً قديماً، كان لا بد من الرجوع إلى الزراعة التقليدية لتقويم واقعنا الحالي. في الماضي، كانت أحوال الناس بسيطة، ولم يكن بمقدور الكثرة من الناس الحصول على كل ما يرغبونه من طعام، وكانوا يعتمدون على ما تنتجه أرضهم الطيبة. وإن كان الإنتاج المحلي من الموز لا يلبي سوى قطاع ضئيل من السوق، إلا أن مناطق جيزان والأحساء وعسير هي أكثر مناطق المملكة زراعة لهذه الفاكهة، ولكن منطقة جيزان تشهد حالياً توسعاً كبيراً في مزارع الموز لإنتاجه بشكل تجاري.
لم يكن النخل أحد أهم مزروعات واحة القطيف، وإن كان أكثر العلامات وضوحاً على حيوية الحياة، فالواحة أرض خصبة حية معطاءة في قلب الصحراء، غنية بالماء والثمر والحياة. في هذه الوقفة سنعود إلى زمان النخيل والمزوعات التي ارتبطت بأرضنا الطيبة، واكتسبت خصوصية مميزة بخصوصية المكان التي زرعت فيه، مزروعات ذات جودة عالية وطعمها اللذيد وقيمتها الغذائية، صحية وعضوية من أرض خالصة مسيجة بظلال النخيل، تطل علينا أشجار الموز، فارشة أوراقها العريضة، الفاكهة المحببة للجميع.
طعم الموز القطيفي الرائع يختلف عن الموز المستورد، طعمه أفضل ووزنه أثقل وحبته أكبر، اعتدنا على تناوله أيام الطفولة في تلك الأيام الخوالي لا نعرف غير ذلك الموز، نأكله ونتلذذ بطعمه الحلو، وبشكل عام فإن الموز القطيفي هو أكثر الأصناف جودة وأكثرها طلباً من قبل الناس.
أين نحن من ذلك الموز، لقد تبدل حالنا، اليوم هذه المزارع لا تحتوي على أشجار موز في مستوى تجاري. أصبحنا اليوم نفتش عن ذلك المذاق الطيب والطعم الحلو من أطراف تقاطعات الطرق الزراعية أو المزارع الأهلية، نادرًا جداً ما نجده يباع وبأسعار مرتفعة، وبسبب الربحية العالية والطلب الواسع من جمهور المستهلكين نشدد على المزارع الواعي بالاستثمار في هذه الثروة الوطنية.
والسؤال هنا؛ هل يمكن أن نرى مثل تلك المحاصيل الزراعية من جديد، كما كنا قبل خمسين عاماً؛ منتجاً زراعياً مجدياً، من الممكن أن تعود ونراها في الأسواق وتحتل مكانة من جديد، إذا سمعنا ذات يوم خبراً بمنع كل منتج يثبت تلوثه بالتقنيات الحديثة، وهذا لا يمكن تحقيقه!
نعم، الأرض بالنسبة لنا ليست مجرد وحدة جغرافية نزرع فيها ونبني ونتحرك، إنها هي جزء من كياننا الذي لا يمكن التفريط به، ومن هنا أطالب أصحاب المشروعات الزراعية بالاهتمام بهذه الثمرة كونها أفضل بكثير من الثمار المستوردة من الخارج.
وخلاصة القول: إن الموز فاكهة ثمينة، علينا أن نستفيد منه إلى أقصى الحدود، فلا تخلو منه موائدنا، لا سيما أن بإمكاننا أن نتناوله على مدار السنة، فالببغاء تأكل الموز فتعيش طويلاً، كما أن الإفريقيين اعتادوا على تناوله في أدوار النقاهة من الحميات فيستعيدون نشاطهم وعافيتهم في فترة وجيزة. فكيف يكون الحال بالنسبة لذوي الأجسام السليمة؟
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.