ماضينا الجميل في عيون الأديب علي المصطفى

الحديث عن الماضي، شيق وشاق، نظم وأساليب معيشة، وظواهر اجتماعية وإنسانية، وموروثات سائدة، وتقاليد وأعراف قديمة وكل القيم الجميلة التي عاشها آباؤنا وأجدادنا على زورق الحياة في مواجهة مفردات اليأس والهزيمة والانكسار، فهي دروس في الصبر والاجتهاد وعشق الإنجاز!

يختار الأديب والشاعر الأستاذ علي المصطفى عيونًا من حياة الأمس تناجي المكانة التاريخية للتربة التي نشأ فيها، إنها مسقط رأسه، والمدرسة التي تعلم فيها ومنها الكثير، قدم لها الإخلاص والولاء والعطاء سواء أكان ذلك بفضل تاريخها القديم، أم بفضل ما تتمتع به من جمال وتنوع واسع في طبيعتها وآثارها، فالقطيف في عيون الشاعر هي نبع من أجمل وأغنى ينابيع الفن والإلهام.

“السكة والجبلة” ذكريات حب في أسمى معانيه وعشق في أرقى مستوياته، ملحمة رائعة، من أجمل ما خطَّه قلم المبدع الأستاذ علي المصطفى، قرأتها وأعدت قراءتها ثانية وثالثة، لقد أثارت اهتمامي وعزمت على الكتابة عنها، فلا بد أن أسجل هنا إعجابي بهذا الإنجاز الكبير، وللشاعر الذي نحب شعره والحرف الثريّ الذي يكتبه فهو كتلة من المواهب والقيم المعرفية، يتقدمها حسّ مرهف، وخيال جميل، وأسلوب عذب، فقد أصاب حظًا من الإبداع وجمال الأداء والإلقاء، ونحن على يقين أن الصديق والأخ والأديب الأستاذ علي المصطفى قد بدلتم الكثير من الوقت والجهد والكتابة اليومية تحديًا خاصًا في إخراج مثل هذا العمل بهذه الصورة الرائعة، لقد حظيتْ القطيف بالعناية الفائقة والمكانة الخاصة في شعركم، وعشقكم للماضي الذي يتغلغل في أعماق نفسكم، كرّستم معظم أعمالكم لذلك الموروث الجميل، والسؤال هو: ماذا سأكتب في حقكم أيها الأديب والشاعر والفنان؟ الحقيقة الوحيدة التي أقررها هنا هي أنني لن أنصِّب نفسي أديبًا ولا شاعرًا ولا محللًا، فهذه كلها لها أناسها، يبقى الجواب عن سؤالي وهو أن أكتب شيئًا عربون وفاء من محب وكم هم كثر، إنسان سمح الأخلاق كريم النفس، قلب نابض بالحب والنقاء، الشخص الذي يلقاك دائمًا مبتسمًا ودائمًا متفائلًا، يملك محبة الناس، والرضا بما قسم الله عز وجل رغم معاناته مع المرض، درب من دروب النجاح الذي لا يباع ولا يشترى، ولكن يكتسب بالعمل الشاق والطويل والجاد.

وقبل البدء اسمح لي أستاذنا علي المصطفى أن أقتبس ما كتبت حول هذا الإبداع، حين قلت: “ويعلم الله أصعب عمل كتبته إلى هذا الوقت هذه الملحمة التراثية تعبت في الإعادة وتعبت في الكتابة عدة شهور ولم أكلْ ولم أمل إلى أن ظهرت بهذا الشكل“.

لا تعليق بعد هذا! فالحروف التي سطرت هي التي تتحدث، والكلام عنها قتل لها.

الجميل أن مطلع الملحمة فيها توجه للباري عز وجل وللنبي الأكرم محمد والعترة الطاهرة بأفضل الصلاة والسلام، ولا أرق ولا أجمل من هكذا قول فنار الشوق.

آمل أن تجد هذه الملحمة صدى كبيرًا، تستحق أن يفرد لها كتاب، والإجادة تجلت واضحة في الوقت الطويل، والجهد العظيم، والسلاسة وجزالة اللفظ وقوة التصوير، وإن شاء الله نراها تتجسد على مسرح الوطن المعطاء إخراجًا مسرحيًا مثيرًا ورائعًا، فكل يوم يمر وأنتم تزدادون بعطائكم محبةً وعشقًا وإعجابًا أشد من اليوم الذي سبقه، جسدتم جانبًا مضيئًا من ماضينا الجميل، جهد عظيم من بطل من أبطال الأصالة والتراث، والفلسفة الحياتية المحددة، والرؤية المتميزة.

الأستاذ علي المصطفى، أكثر من خمسين عامًا من العمل والعطاء والإبداع، سيرة ذاتية ومشوار حياة، مؤلف وكاتب مسرحي للأطفال وشاعر، والكثير الكثير من العمل والجهد تجلت واضحة في عشرات الدواوين والأعمال المسرحية والأُبريتات الوطنية، وصولًا إلى الغاية المنشودة، وهو الحفاظ على ذلك الإرث الثقافي والحضاري والتاريخي الخليجي، قلبًا وقالبًا، ولسانًا وقلمًا، بحثًا عن الأفضل، من خلال الشعر الرصين ومعجزة الإبداع.

أجدادنا أقاموا الصروح وشيدوا الأمجاد وتخطوا الصعاب والتحديات فاستحقوا منا إظهار تاريخهم ومعاناتهم للذين لم يواكبوا تلك الحقبة من الزمن بحلوها ومرها، تاريخ جميل وفصل من فصول حياة الآباء والأجداد الواقع أننا أمام عمل من أروع وأجمل وأعمق ما خطَّته قلم هذا الشاعر، صورة جميلة لحياة من عاش قبلنا، هم من أحبّوا الأرض ورفعوا قدرها.

هي ملحمة متفردة لتنطبع في الوجدان الشعبي ولتستمر نابضة بالحياة في كل زمان ومكان.

أحيل القارئ الكريم إلى هذه الملحمة “الجبلة والسكة” ففيها سرد طويل ودقيق لأهم ملامح ماضينا الجميل: (هنا).

وختامًا، لكم مني ومن محبيكم أيها الأديب والشاعر والفنان الأستاذ علي المصطفى كل المحبة والتقدير، أمد الله في عمركم، سائلًا الباري عز وجل أن يجعلكم بخير وعافية وسلام، لتكثر رحلاتُكم، فتمتعنا بأدبكم وشعركم، ولكم مع الإبداع في كل يوم موعد ولقاء!



error: المحتوي محمي