في زمن المتغيرات السريعة وتزاحم ساحة الأفكار والسلوكيات المتعددة، كيف يمكن للفتيات اختيار الاتجاه الذي يعلي كرامتها وينحو بها للتكامل وتنمية القدرات؟
بلا شك أننا نحتاج إلى مصدر تقتدي به الفتاة ويلف بين جنبات شخصيته آيات الفضيلة وتتفجر ينابيع المعارف الحقة منه، فإن أفضل أساليب التربية السليمة المجدية والمؤتية لأكلها وثمارها الطيبة، هو وضع تلك الشخصيات العظيمة نصب عيني المرء؛ ليكتسب منها ما يقوي ويزهر شخصيته بمختلف جوانبها العلمية والأخلاقية والاجتماعية والتربوية، وأنى لنا بشخصية تزهر أنوارها في مختلف المدركات والقدرات كسيدة نساء العالمين، والتي خلد التاريخ كلماتها ومواقفها الكمالية بأحرف ذهبية، ومن الخطأ أن نغفل في تربيتنا لبناتنا عن منهج الزهراء التربوي لصناعة شخصياتهم، ففي سيرتها الشريفة ما يوجههن نحو الرقي في درجات التكامل.
الهدف الأسمى لكل إنسان في الحياة الظفر بالسعادة والعيش الهنيء، وكل الأمجاد لا تحققها الأموال ومظاهر الدنيا وزخارفها واللهث خلف المظاهر الخداعة، ولكن التنمية العقلية والاستقامة السلوكية ونزاهة النفس من الرذائل والعيوب هي عناوين الكمال والنجاح والسعادة الحقيقية، ولن نجد معيناً لنا في الظفر بهذه المضامين كالمنهج التربوي للزهراء (ع) والاقتداء بها في منطقها ومواقفها وعلاقاتها الأسرية والمجتمعية.
فعندما ننظر إلى علاقتها بربها نجدها تلك العابدة المنقطعة إليه، فتستغل وقتها في بناء علاقة قوية مع الخالق ويشهد لها محراب العبادة بذلك، إذ كانت كأبيها رسول الله (ص) في خشوعه وتبتله وتهجده وطول الوقوف بين يدي المولى الجليل، وكانت صاحبة العطاء المعرفي من خلال الكلمات النورانية التي تحتاج منا إلى تدبر وتأمل واستخلاص الدروس والعبر منها، وهي الزاهدة التي لم يتعلق قلبها بشيء من حطام الدنيا الزائل بل عاشت البساطة والقناعة، وعاشت آلام المعوزين والمحتاجين فكان بيتها محل إشادة قرآنية لما أطعمت المسكين واليتيم والأسير فآثرتهم مع أسرتها على أنفسهم وقدموا لهم طعام إفطارهم.
المنهج الذي يضمن الهدوء النفسي والسعادة هو الاقتداء بسيدة نساء العالمين، وما يؤسف له ما تعيشه بعض الفتيات اللاتي افتقدن المنهج التربوي السليم، فأخذن بالاقتداء بمن لا يستحق من الممثلين والممثلات فتهتم بأخبارهم وموضاتهم فتتلبس بسلوكياتهم وطرق تفكيرهم الواهمة، فكل الاهتمام منصب عندهن على المظاهر المادية والموضات بينما ابتعدن عن تنمية قدراتهن الفكرية والاجتماعية والثقافية.
السيدة الزهراء (ع) عنوان الكمال والفضيلة والعفة والكرامة، فحجاب الزهراء (ع) عنوان الاحتشام وهوية تعبر عن تعفف الفتاة عن رذيلة العلاقات غير المشروعة، إذ إن التبرج طريق لفورة الشهوات ومصيدة تقع فيها الفتاة فريسة لمرضى القلوب ممن يتحينون الفرصة لنهش لحمها.
فأين نساؤنا من منهج العفة الذي خطته الزهراء (ع) في حفظه للمرأة عن الانصياع والرضوخ لدعاة تحررها ظاهراً، فيما هم يديرون في الواقع تحويلها لسلعة عرض وإثارة وتهييج للنفوس المنغمسة في الشهوات، فنداء التحضر والرقي صنعوا له مضمار السفور وكسر كل القيم الصائنة لها، فغرس هؤلاء شبهة التعارض بين التقدم والنجاح من جهة وبين التمسك بالحجاب، والخفر والصون لا يعني التجلبب بما يستر بدن المرأة عن عيون الأجانب، بل هو الستر والعفة في نظرها ومنطقها ومشيتها وأطر تعاملها بما لا يشعل طمع مرضى القلوب لتمزيق طهارتها.
الكرامة الإنسانية التي دعت الزهراء إلى إعلائها والحفاظ عليها تتجسد بالتجلبب بالعفة والتنزه عن وحل الرذيلة بكل مستنقعاته، فمتى ما قدست المرأة مفهوم العفة استطاعت تجاوز حقول الألغام المترامية في طريقها، فدراستها وممارسة وظيفتها لا يتعارض مع حجابها، بل هو لفتة تدعو إلى احترام قيمة الصون عندها فلا يحاولن متلصص الاقتراب مننها بوسائل المراوغة والإغراء، وما تعاني منه المجتمعات اليوم من تحرش وسعار جنسي وتفلت أدى إلى جرائم مخزية وانتهاك أعراض، لا يقف بوجهه مصداً منيعاً كالحجاب والترفع عن التبرج.