السرّ المغلق

قد تكون قادرًا على التعامل مع المواقف الصعبة والمفاجئة لكن لابد أن يكون لك قلب رحيم يساند عقلك الراجح. وبعض المواقف يعجز العقل أن يُبدي فيها رأيًا فينصرف تاركًا للقلب حرية القرار وتلك أمور لا يفهمها إلا من ارتضى أن يكون عبدًا مملوكًا لوالديه لأن قلبه مازال ينبض بوجودهما في حياته.

وإذا كانت طقوس الحياة تُلهي الإنسان عن بعض واجباته فالله سبحانه وتعالى جعل للجنة طرقًا هينة سهلة للوصول لها فالأب والأم هما الحياة، وصاحب الفكر المتزن هو من يقارن الحياة بهما وبدونهما -حفظ الله كل الأمهات والآباء-، هما الحاجة الضرورية لسد حاجات الجسد والروح. والواقع الذي لا نهرب منه أن ماهية الحزن تتلاشى بالقرب منهما، وأن للرزق سرًّّا مغلقًا بجوارهما.

إنه من الإجحاف أن يكون للأم عيد يُحتفى به فالعقل لا يستوعب تلخيص تلك العلاقة الفردوسية في يوم واحد أو ساعة واحدة مزدحمة بالشعارات ويعلوها الهُتاف السريع ثم ينصرف الجميع بعد ترك بعض المغلفات التي نطلق عليها مسمّى هدايا العيد وهي غير مُعترف بها عند بعض الأمهات اللاتي يشعرن بأن قيمتهن محصورة في هذه الهدية السّنوية.

إذن فكلّ درجة علمية يرتقيها الإنسان لابد أن يرتقي معها فكره المنطقي، فيشحذ قواه العقلية ويُعزز طاقة حبّ الوالدين بالحجة والبراهين القوية التي يجب ألا نغفل عنها. ولابد أن يؤمن الإنسان جيدًا بأن الأم والأب معجمان لغويان يصعب عدّ مفرداتهما، وذكرهما ليس من الخواطر التي تمرّ عند استيقاظ الحسّ العاطفي فجأة بل هما صلاة موقوتة لا يمكن أن تتجاهلها عند سماع النداء لها وتهرع كي تؤديها في وقتها بتمامها وخشوعها.

عن عبدالله بن عمرو قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ”.

ولن تكتمل صورة إيمان المؤمن بكل أبعادها إلا بنور الإحسان للوالدين فهو في طليعة الأعمال التي تبني جسورًا قوية للجنة وتزهر بها حقول دنياه.

روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “رضا الربِّ في رضا الوالد، وسخَط الربِّ في سخط الوالد”.

ولن تكفي بضع كلمات أو بضعة سطور في وصف البركات والفيوضات الإلهية التي تسكب الرياحين العطرة في طريق صاحبها. ولن نستطيع حصر حكايا البرّ الساطعة في جبين البشرية والتي كانت سببًا في تفريج الهموم وكشف البلاء.

إنّ كلّ معروف يُقدّم للإنسان يكاد يغيب عن ذهنه ويتلاشى عن ذاكرته أحيانًا إلا فضل الوالدين هو شمس تشرق كلّ صباح، وهواء لا يمكن إنكار فضله في استمرار بقائنا. وغياب الوالدين ليس مانعًا من مواصلة برهما فهو طريق لا نهاية له والمهم في ذلك إلّا تضلّه. ورد في الأثر: “يرفع للميت بعد موته درجة. فيقول: أي رب! أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر لك”.

أمهاتنا رسائل حب وصل بعضها والبعض الآخر قيد الوصول لابد أن يصل يومًا ما.



error: المحتوي محمي