على أجنحة التأمل وإطلالة بانورامية تأسر القلب وتخطف العيون وبسيمفونية عذبة صنعتها الأشجار وغردت بألحانها أجمل الطيور صُنعت لوحة فنية بديعة الألوان تأخذ مرتاديها إلى عالم جميل وسط أحضان الطبيعة الخلابة ومُعانقة الماضي العتيق ومع صهيل الخيل وامتطائه تُصبح كالفارس المغوار الذي لا تثنيه الصعاب، وبصوت الماطور الزراعي وزقزقة العصافير تُطرب المسامع، وتُقطف منها ألذ المحاصيل أو تتدرب هناك على ضفاف أراضيها لِتُمارس أنواعًا شتي من فنون الرياضة والرماية.
ومن هذه الإطلالة الرائعة اصطحب حسن أحمد جمعان «القطيف اليوم» في لقاء خاص إلى أول مزرعة ريفية في جزيرة تاروت بمحافظة القطيف والتي ُمزجت فيها السياحة الترفيهية والتسويقية في خلطة فريدة أنتجت مشروعًا ناجحًا، مستنبطًا أفكارًا جديدة وطرقًا مبتكرة ساعدته في تطوير “مزرعة الجمعان” ليحقق بذلك أهدافًا زراعية تعليمية ترفيهية لترسيخ مفهوم السياحة الزراعية.
وبدأت أحداثها مع “حسن جمعان” المنحدر من جزيرة تاروت، بقصة حب عميقة التفاصيل مع الخيول منذ أن كان عمره 19 عامًا حيث كان يرى الخيل عنوانًا للفروسية والشجاعة والكرم، ويطير من الفرح عندما يُقبل الخيل عليه من بعيد، وكانت المزرعة ملاذه وسر لقائه مع الخيل الحبيب، فهي علاقة عشق ووفاء وتناغم استمرت وتطورت لسنوات ولم تتوقف إلى هذه اللحظة.
وعن ذلك قال جمعان: “نشأتي في المزرعة مليئة بالعمل والسعادة معًا وبالتواصل المباشر مع التربة الطيبة والزرع والعناية بالحيوانات مما جعل علاقتي معها علاقة حب وتقدير لقيمتها الفعلية كواجهة من خيرات البلد، ولأصبح أكثر إصرارًا على جعلها أكثر تميزًا وتطويرًا واستمتاعًا لي ولزوارها”.
وبعد أكثر من 40 عامًا من عمر المزرعة وتحديدًا في عام 2019 انطلقت فكرة تحويل المزرعة إلى مشروع ريفي وتطويرها أكثر وجعلها مكانًا يخطف الأنظار لقضاء يوم ممتع لا يُنسى يسُر الصغير والكبير، وكذلك جعل المزرعة وبطريقة ذكية مكانًا لبيع محاصيلها ومنتجاتها.
يرى “جمعان” أن المزرعة أصبحت مقصدًا للكثير من الأسر لقضاء وقت ممتع، حيث يجد فيها جميع أفراد العائلة فرصة للترويح عن أنفسهم في أجواء مليئة بالفرح والبهجة بعيدًا عن روتين الحياة ومشاغل العمل، ليقضوا يومهم وسط طبيعة وأشجار خضراء ومحاصيل متنوعة وأغنام ودواجن، فتعود الذاكرة لزمن جميل عندما كانت المنازل قديمًا تحتوي على حديقة صغيرة تزخر بأشجار السدر والنخيل وحظائر المواشي التي تعكس حياة البساطة الخالية من التعقيدات والرسميات.
وباتت المزرعة في الآونة الأخيرة متنفسًا طبيعيًا ومكانًا للاستجمام بعيدًا عن رتابة المنزل وزحام الأسواق والمراكز التجارية، لتكون ملاذهم الروحي والنفسي، والتي تبرز فيها العلاقة الأسرية في أجمل صورها، لذلك تحرص بعض العائلات على التمسك بهذا الإرث الزراعي الذي يمثل قيمة مهمة في حياتهم.
ولفت إلى أن المزرعة تحتوي على عدة أقسام ترفيهية للأطفال ليتمتعوا باللعب مع الحيوانات وإطعامها بطريقة صحيحة لا تخلو من مواقف الفرح والمرح، وكذلك المشاركة في قطف بعض الثمار تحت إشراف المرشد السياحي وتزويدهم بالمعلومات التي تختص بكل نبتة، إضافةً إلى قسم ترويحي يبهج الكبار حيث يوجد جلسات شعبية وقسم خاص بتدريب الرياضات المتنوعة كالفروسية والرماية وملعب لكرة القدم والتسجيل فيه للناشئة والكبار.
ووصف الجلسات الخشبية العالية بالساحرة وقت الغروب والشروق ومع التلذذ بشرب الشاي المخدر وإطلالة على غابات المانجروف يُشعر الزائر بسعادة بالغة وكأنه يُحلّق عاليًا مع هبات النسيم، إضافةً إلى جلسة عربية من تراث منطقة القطيف في البيت التراثي الذي يستقبل الزوار في مدخل المزرعة، منوهًا بأنهم يسعون لزيادة عددها وتجهيز جلسات جميلة بين الأشجار والورود وبالقرب من موقع التدريب ليضيف لهم روعة الاستمتاع وهم ينتظرون دورهم.
وأشار إلى أن المزرعة تتميز بعدة أنشطة طوال فترة النهار من بزوغ الشمس، حيث يبدأ الحرث والقطف وبيع المنتجات الموسمية، كما بها إسطبل يضم مجموعة من أنواع الخيول العربية بإشرافه، منوهًا بأن وجود الإسطبل جذب عددًا كبيرًا من الزوار للمزرعة والذي يتم به تدريب مختلف الأعمار من الجنسين لكسر حاجز الخوف والرهبة ثم الانطلاقة في عالم الفروسية، وكذلك توجد أنواع مختلفة من الحيوانات الأليفة كالماعز والأبقار والدواجن والطيور والحمير والبط والببغاوات والقرود.
ومن خلال تجول الزائر في ممرات المزرعة الريفية الواقعة بالقرب من شاطئ الرملة البيضاء يكتشف أن المزرعة مليئة بالحيوانات المنتجة التي يتم بيع منتجاتها الغذائية كالحليب والزبدة، وكذلك منحل للعسل الطبيعي المنتج من تغذية النحل على زهور المزرعة وأشجارها مما يجعله صحيًا وشهيًا.
وبفخر واعتزاز، يؤكد أنه لا يوجد شيء أجمل من جني الثمار بعد طول الانتظار، وأن من الصبر يأتي عمق التأمل والذي يزيد من الوعي الروحي والفكري للإنسان والمساهمة في رفع مستوى الطموح والصبر والإصرار على تحقيق الأهداف ورؤية نتائجها.
ويشير إلى أن المزرعة تُمكّن الزائر من الاستمتاع بالتجول والجلوس على الجلسات الريفية أو البيت الشعبي أو الإطلالة من البرج الخشبي، والشراء من منتجات المزرعة والإفطار الصباحي مع أنغام الطيور المغردة المتواجدة بكثرة.
ونوه “جمعان” بأن تحويل المزرعة إلى سياحية أضاف للمنطقة قيمة جمالية وليس للمزرعة فقط، بل أيضًا جعلها مقصدًا تعريفيًا بتاريخ المنطقة للسياح والزوار من جميع أنحاء المملكة ودول الخليج العربي، ليعلو اسم القطيف.
وفي النهاية، تحدث عن العراقيل والصعوبات التي تم مواجهتها وتحديها من مشاكل وعوامل طبيعية وبيئية أو مادية أو مصادفة وقت استقبال وفد سياحي، وكيف تم تخطيها بنجاح، مؤكدًا أن حبه لهذه الأرض يعزو لقناعته بأن الإنسان ابن بيئته، ومن لا يفي بيئته حقها من حفظها وتطويرها لا يستحقها.
يذكر أن “جمعان” طور نفسه بعد أن حصل على بكالوريوس إدارة أعمال عامة وهو يعمل بالمديرية العامة للدفاع المدني، بالحصول على عدة شهادات كإدارة المشاريع وإسعافات أولية والغوص، لافتًا إلى أن الدراسة والدورات التدريبية تصقل من شخصية الفرد وتطوره في حياته اليومية والعملية.