لصحة أفضل.. اكتشف السبب فيما تأكل!

أدى تطور علم الكيمياء وتصنيع مواده إلى إدخاله في التصنيع الغذائي، فرغم أنه أضاف إليه تحسينات لا تنكر إلا أنه أفرز فيه شيئًا من سمومه، وما تركه نقيًا كما كان في زمن مضى، وهذا ما دفعنا إلى تحديد معالم الغذاء اليوم الذي كان وراء تقنيات العصر التي ثبت آثارها المدمرة على صحة الإنسان.

تم إغراق السوق بآلاف الأصناف الغذائية ومستحضراتها بما فاق كثيرًا قدرة المستهلك على الاستيعاب والتمييز، ونتيجة الانفتاح والفلسفة القائمة على “ثقافة السوق”، أصبحت هناك مافيات تتصارع وتستعمل كل الطرائق في سبيل تحقيق أكبر ربح في أسرع وقت وبأي أسلوب كان، وبفعل إفرازات التقنية السامة في غذائنا، أدى إلى تحميل جسم الإنسان الكثير من المخاطر الصحية، المعروف منها والمجهول، وأحدث خللًا وإرباكًا في قدرة الجسم على مقاومة الأمراض المستعصية وأمراض ضعف المناعة.

من هنا، فإن الحديث عن الأغذية المصنعة أو المعالجة يجب أن تقترن بمخاطر تلك الثقافة المدمرة. وقد لاقت تلك الأغذية اهتمامًا كبيرًا من قبل الأطباء وعلماء التغذية لوجود علاقة بين كثير من الأمراض وبين نوعية الغذاء ومعدل استهلاكه.

شركات تصنيع الغذاء العالمية تستفيد من مفهوم الترويج في إطار المنافسة السوقية، وتحقيق مبيعات عالية ودخل جيد للشركة المصنعة، في ظل هذا المفهوم يكون المستهلك ضحية التضليل والخداع، فالشركات الصانعة استفادت من حاسة النظر أولًا “فن التغليف والتعبئة” ثم حاسة الشم وبعدها اللمس وأخيرًا حاسة الذوق والتذوق كأسلوب جديد في الترويج التجاري، والحقيقة فإن جميع تلك الحواس هي حالة وهمية كون مصدرها مركبات اصطناعية.

ماذا يشعر المستهلك حين يدخل مركزًا للتسوق فينظر ليرى آلاف المنتجات الغذائية المصطفَّة لا أول لها ولا آخر، لكنه يندر أن يجد المنتج الذي يؤمن بسلامته! فحينما تقف على منتج غذائي وتقرأ البيانات والمعلومات الواردة على بطاقته تدخل في حيرة، فالصورة على الغلاف لا تعكس طبيعة الغذاء المصنع، فمثلًا، اسم المنتج “رقائق البطاطس” وصورة الغلاف يجب أن تعكس واقع المنتج، بينما حين تقرأ المحتويات لا يوجد إشارة إلى ذلك المكون، وها نحن اليوم أمام لحوم مزيفة، وأشباه منتجات ألبان، وبدائل سكر ودهون وما شابه ذلك، يتم تسويقها حسب التدابير وصناعة الترويج التي تنتهي بخداع المستهلك. ماذا يعني ذلك؟! فاضت أسواقنا هذه الأيام بمثل تلك السلع.

إن لثورة صناعة الغذاء والتقنيات الحديثة ضريبة يدفعها الإنسان من صحته وحياته، وما نراه اليوم من توفير الغذاء وحفظه إلا مفردات لهذه الثورة، فهناك المواد الكيميائية المستخدمة، وهناك المضافات الاصطناعية، وهناك الهرمونات التي تعطى إلى الدواجن وحيوانات المزرعة، وهناك تقنية التشعيع والهندسة الجينية وغير ذلك، وما ذهبت به هذه الثورة وعلاقتها الخطرة على صحة الإنسان، أصبحنا في حيرة من أمرنا، ماذا نأخذ وماذا نترك؟ وهل نحن في مأمن من هذه المواد؟ وهل هنالك ضوابط في استخدامها في المنتجات الغذائية أم أن الأمر متروك لاجتهادات أصحاب المشروعات الزراعية وشركات التصنيع الغذائي، والتي قد تقودنا لأخطار صحية دون علمنا؟

البعض يتساءل: أين نجد الغذاء الذي يحقق لنا الصحة؛ بمعنى ألا يسبب لنا الأمراض؟ هو في الغذاء الصحي الذي يكون مصدره الأرض الطيبة.

قال لي أحد الأصدقاء: لدي مشكلة صحية، أشعر بتعب إذا تناولتُ الألبان بكل مشتقاتها، وأنا في السابق كنت لا أشعر بأي تعب من جرَّاء تناول تلك الأصناف، فلا أعرف سبب التعب الآن، هل أصبح اللبن به مواد لم تكن موجودة بالسابق أم معدتي هي التي أصابها التعب؟! الطعام الذي نحصل عليه نقيًا من الطبيعة وطازجًا، ربما أصبح حالة نادرة.

الواقع إن صناعة الألبان تخضع لمعالجات غيرت في تركيب وتكوين الحليب ومشتقاته، مما أثر في قيمته الغذائية، في صناعة الألبان يجب المحافظة قدر الإمكان على تركيبته الطبيعية، بأن تتوافر فيه الأحماض الأساسية والبروتينات والدهون والمعادن والفيتامينات، وهي ضرورية لبناء الجسم في مرحلة النمو والأعضاء الداخلية وتجديد الخلايا، فنزع أحد مكوناته وإضافة مكون آخر، سيقودنا إلى مشكلات صحية، والأبحاث تؤكد ذلك، ويمكن ربط الإعياء والكسل وفتور الهمة ربطًا مباشرًا بتلك المعالجات الصناعية.

لقد أدت كثرة تركيز شركات تصنيع الغذاء على عنصر المنافسة التسويقية واستعجال النجاح إلى قلة الاهتمام بالجوانب الصحية ما نتج عنه تغييرات في خصائص الغذاء المصنع وخصوصًا القيمة الغذائية.

ولفهم أبعاد المعركة الدائرة حاليًا بين شركات تصنيع الغذاء، المتحكمة بمستقبل الغذاء، والتي تهدف إلى تصنيع الغذاء بكلفة أقل وبكم أكبر، وبالطبع قيمة غذائية أقل، ومخاطر على صحة الإنسان تنذر بالويلات، كل ذلك نتيجة تدخل الإنسان في مسار الطبيعة، فعند شراء أي أغذية معلبة وقراءة بياناتها ستجدها عبارة عن مستحضرات صناعية في تركيبها، وتفتقر إلى العديد من العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، والأهم من كل ذلك هو أن الشغل الشاغل في هذا العصر لم يعد البحث عن لقمة العيش فقط، بل عن نوعية هذه اللقمة: هل هي نتيجة الكيمياويات ومختبرات المنتجات المعدلة وراثيًا أم ثمرة طبيعية لما تجود به الأرض؟ هل اللحوم والألبان من أبقار مجنونة أو معلوفة بالعلف المليء بالدهون الحيوانية والهرمونات، أم دواجن مصابة بالإنفلونزا.

في الماضي، كان الغذاء الطيب في الخضار والفواكه المزروعة في الحقول، والدواجن والمواشي التي تأكل مباشرة من الأرض الخالصة، وتسقى من مياه نظيفة غير ملوثة، وهذا يعني خلوها من المخصبات الكيميائية والمبيدات الحشرية والتقنيات الجينية والتشعيع وغيرها مما يستخدم هذه الأيام، وهذا يمكن الحصول عليه من الطبيعة الريفية أو القروية، منتجات عضوية تجدها تباعًا على أطراف تقاطعات الطرق الزراعية أو المزارع الأهلية.

واليوم وبعد أن عمت الأغذية المصنعة في الأسواق وحظيت بقبول واسع، انقلب الوضع فأصبحنا نسير مع رياح النهضة التغذوية، فهل يفهم الجميع تداعيات هذا التوجه، ونمنع أنفسنا من أكل الطيبات؟ مشكلة الناس في هذا الزمان هي البحث عن لذة الطعام ورائحته وشكله، ونمتنع عن خلاف ذلك، فهل سيطر حب المظهر على حياتنا حتى وصل إلى طعامنا، وكل ذلك على حساب صحتنا؟!

وأخيرًا، ما أحوجنا اليوم إلى الغذاء الطبيعي في عالم تسوده حماقات المصنعين وثقافة أهل القوة المادية، فهو عالم يمر بصراعات عنيفة كانت الغلبة دومًا للقوة المادية.

منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي