استيقظتُ باكرًا وكانت حرارة الجوّ نحو ١٦ درجة مئوية، مرَّت بي لحظات وأنا أقلّب أفكاري: يا له من شعورٍ عندما تأخذ نفسًا وتعرف أنكَ ما زلتَ تجادل مع الحياة وتجاذبها الأحاديث، فكم من النَّاس من أُغلق حسابهُ وماتَ في السَّاعاتِ التي نمنا فيها؟! أتساءل أليسَ في رحلةِ الأيَّام متاعب؟ نعم، لكن كيف وأنَّى لنا أن نمتنع عن هذهِ الرِّحلة البديعة؟! إذًا، إما أن يكون يومًا رائعًا، أو يكون يومًا غير ذلك وكما يقال: إن المترِّدد لا يستريح.
حقًّا إنه شعورٌ رائع أن نعرف أن في الحياة مآسٍ لا تعد، ونحن خلوٌ من ذلك كلِّه! تائه، مديون، مظلوم، يبحث عن خبز، ليس فوق رأسه سقف، يقاسي حرارةَ الشَّمس في البرّ أو البردَ في البحر. ونحن آثارُ النِّعمةِ والرَّاحة بادية على أجسامنا – مكتنزة باللحمِ والشَّحم – وعلى وجوهنا بكلِّ تفاصيلها! ماذا نأكل؟ ماذا نلبس؟ أين نذهب؟ ثم نشتكي من تكاليفِ الحياة!
يراودني شعورٌ أنه امتحان عظيم، والأفضل ألا آخذَ ورقةَ ذلك الامتحان، إذ النَّجاح غير مضمون، والسّقوط ليس مأمون. الغبطة كل الغبطة لمن مرَّ بتلك الامتحانات وحصل على درجاتٍ عالية فيها، فما رأيكم في امتحانِ شربة ماء؟ اشرب أو لا تَشرب، هكذا كان الامتحان:
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍۢ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ} فشربوا منه إلا ثلاثمائة وثلاثةَ عشرَ رجلًا، منهم من اغترفَ ومنهم من لم يشرب فلما برزوا قال الذين اغترفوا: {لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ} وقال الذين لم يَغترفوا: {كَم مِّن فِئَةٍۢ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ}.
أنتم تعرفونَ أتمَّ المعرفة أن في الحياةِ من البلايا ما هو أكبر من شربةِ ماء! ومع ذلك، يقال إن الذين شربوا كانوا ستِّين ألفًا، أما الذين لم يشربوا فكانوا – فقط – ثلاثمائة وثلاثةَ عشرَ رجلًا!
غاية المرام: اللهم لكَ الشّكر والحمد والمنّ والفضل والإحسان، استمتعوا باللَّحظات والدَّقائق، ويقينًا بالأيَّام والسَّنوات:
ما مضى فاتَ والمؤمّل غيبٌ ** ولكَ السَّاعة التي أنتَ فيها