وجوه من «تطوع القطيف» يحكون تجاربهم.. من المآتم كانت بداياتهم وعادوا كما ولدتهم أمهاتهم

بخضم احتفال العالم بيوم التطوع العالمي بمختلف الأنشطة والفعاليات، حيث يصادف الخامس من ديسمبر، وخلال سعي المملكة لتحقيق رؤيتها وذلك ببذل جهود كوادرها للوصول إلى مليون متطوع، كان لمتطوعي القطيف بمختلف الأعمار كلمة سطرت فيها أرقام الأعوام الفانية بالتطوع أبهى المعاني ورسمت صورة براقة تجذب كل من هو بعيد عن عالمهم الجميل.

وكان لـ «القطيف اليوم» لقاء مع متطوعي القطيف ليحكوا قصة التطوع ببصمتهم الخاصة.

المآتم هي البداية
بطبيعة القطيف الموالية التي يستهوي الكثير من أفرادها بمختلف أعمارهم وأجناسهم ويجتذبهم العمل التطوعي الحسيني وتتوارثه الأجيال ليكون مجال خدمتهم هي صفحة التطوع الأولى في حياتهم.

وهذا ما أكده جاسم العسيف، عضو تنمية التوبي، حين قال: “بدأت التطوع منذ كنت صغيرًا وبالمرحلة الابتدائية من المآتم، حيث كنا نوزع وجبات الأرز بشهر محرم وفي الوفيات، من بعدها وبالمدرسة التحقت بالكشافة وكنت أحب الكشافة بشكل غير طبيعي، حيث كنا نعمل خدمات اجتماعية وغيرها”.

وأضاف: “وحين وصلت المرحلة المتوسطة أصبحت أذهب مع الكشافة الحج، واستمريت بمسيرة التطوع والآن أنا بلجنة التنمية بالتوبي للدورة الثانية، وهناك أعمال كثيرة أعمل على التطوع فيها”.

وعن عطاء التطوع له أوضح: “أكثر شيء حصلت عليه من تطوعي هي معرفة الناس، فقد أصبحت علاقتي بالناس بكل مكان ليس فقط على مستوى المملكة بل حتى على مستوى الخليج والدول العربية لدي علاقات، فأينما أذهب لا أتعطل أبدًا”.

وتابع: “والأمر الآخر بالتطوع هو أن فيه تنمية وتطويرًا إلى أرضنا ووطننا، فالشيء الذي تقدمه إلى وجه الله حتى لو كان صغيرًا لا تعلم ماذا يكون عائده عليك لاحقًا وما تكون ثمرته، وهو شيء تعمله للأجيال القادمة وخدمة المجتمع”.

التطوع يُرجعك كما ولدتك أمك
وتحكي رباب علي أبو زيد قصتها مع التطوع وخدمة الأيتام بجمعية الجش، حيث أفنت 25 سنة، أي ربع قرن، من عمرها في التطوع مع الأيتام وتفقد شؤونهم وخدمتهم، والذي لا يخلو من التحديات بالتعامل مع بعض الأيتام، حين لاقت بعض الاستهزاء من بعضهم، خاصة من فئة المراهقين، حيث كانت تتعمد أن ترتدي ما هو بمستواهم رغم اقتدارها وغناها فقط كي لا يستشعروا الفارق، لكن كانت تتقبل ذاك الاستهزاء بقلب رحب.

وذكرت أنه حتى مع توزيع المواد الغذائية، فإن بعض العوائل كانت تعترض على بعض المواد الغذائية المقدمة لها ولإرضائهم كانت تأخذها وتعطيهم بديله من النقود.

ومع هذا تصف رباب التطوع اليوم بأنه ينقلها لحالة نفسية عجيبة حين تقوم بعمل أي شيء بسيط بالتطوع، فهي تعود للبيت لتعيش حياة جديدة وكأنها للتو ولدتها أمها بحسب تعبيرها، وتلمس التوفيق في كل حياتها وينعكس التوفيق مع زوجها وأولادها.

مقابل مادي
ينظر البعض للتطوع على أنه إهدار للوقت دون فائدة لأنه يكون بلا مقابل مادي، وهذا ما أكدته شذى المغاسلة، المتطوعة بالقسم النسائي بجمعية الجش، حيث وصفت نظرة البعض لتطوعها بأنه بلا فائدة لكونه لا يعود عليها بفائدة مادية، لكنها أحبت التطوع لتقدمه لوجه الله، ورغم كل التعليقات التي تأتيها إلا أنها دخلت مجمل مجالات التطوع بالجمعية على مدى عشر سنوات، ووجهت رسالة لبني جنسها من الفتيات والتي تمنت فيها أن يجربوا التطوع، خاصة أن هناك الكثير منهن جالسات بالمنازل دون عمل.

تطوعي أم خيري؟
قد لا يدرك البعض الفرق بين العمل التطوعي والخيري، وهذا ما طرحته افتخار آل دهنيم، مديرة مركز “خطوة واعدة” للإرشاد الأسري، خلال تجربتها مع التطوع، حيث بدأت بمركزها ليكون مركزًا تطوعيًا يقدم خدماته واستشارته الأسرية بصورة مجانية على مدى 9 سنوات، لكن مع عبء تكاليف المكان والجهد المبذول وعدم وجود الدعم المادي الذي عقبت عليه أن المجتمع قد يدعم بناء الحسينيات والمساجد بوفرة لكنه قد لا يساهم بدعم المراكز الأخرى التي تساهم بخدمة المجتمع، مؤكدة أن الجانب المادي مهم لإنجاح أي مشروع تطوعي أو خيري.

وحين وجدت افتخار أن المركز لا يحقق طموحها من التطور حولته لمركز خيري، حيث كانت هناك رسوم في متناول الجميع للخدمات المقدمة، ورغم كونها بتخصص لغة عربية لكن باجتهادها حصلت على ترخيص أسري ليكبر المشروع معها، ويتم ترسيمه ليكون أول مشروع مرخص بمنطقة القطيف.

عائلة تطوعية
لا أحد ينكر أثر توجه العائلة للتطوع من غرس بذرة العطاء في أفرادها وأبنائها بالتطوع، وهذا ما أثبتته زهراء اليوسف، منسقة المتطوعات في مركز “نعيم” للتطوع التابع لجمعية سيهات، حين ذكرت أنها تنتمي لعائلة تطوعية، فأمها وأبوها كانا ولا يزالا متطوعين بجمعية سيهات.

ووصفت التطوع بأنه أكثر أمر تستطيع إعطاءه للمجتمع وتشعر أنك مؤثر وفاعل في المجتمع، ودخلت زهراء عالم التطوع بداية بتسجيل وكتابة التقارير في الفعاليات والمهرجانات، ثم ارتقت لتُعطى فرصة مسك متطوعات الوفاء وحفل الدانة للمتفوقات، ثم ارتقت أكثر لتصبح عضوة في مركز نعيم للعمل التطوعي.

ورغم تقديمها 13 سنة من عمرها بالتطوع، إلا أنها تشعر بأنها لا تزال في البدايات ولديها عطاء تستطيع بذله، ووجهت نصيحة لمن يريد دخول عالم التطوع وهي أن التطوع عملية تبادلية تعطيه ويعطيك وحقيقة يعطي أكثر مما تعطيه، فهو يعطي الانتماء والحب والسلام والتكاتف والتكافل بالمجتمع، وقالت: “حقيقة هذه الأرض أعطتني الكثير وهذا أبسط شيء أقدمه لها، والمجتمع يستحق أن نسمو ونتطور به، فأنا أعتقد أن العطاء أو التطوع يعطيني أكثر مما أعطيه ونخجل من الشيء البسيط الذي نقدمه ونتمنى أن يكون خالصًا لوجه الله”.

وأكد المتطوع حسن طاهر آل درويش ذات الأمر حين قال: “كان الأساس الأول لحبي للعمل التطوعي، نشأتي في بيئة تحب وتشجع على هذا التوجه، وكان لأبي وأمي الدور الأكبر في ذلك فقد كانا المشجعين لي، فقد التحقت بجمعية العوامية والعمل التطوعي بعمر صغير تقريبًا بالثالث الابتدائي حيث كنت مع والدي في توزيع المواد الغذائية قبل شهر رمضان، وكنت أنتهز الفرص في أداء أي عمل تطوعي لتنظيف المقبرة أو العمل فترة أزمة العوامية مثلًا أو أي عمل آخر، وكان آخرها الانضمام للجنة بيئة”.

وذكر حسن أنه طالب في الصف الثالث ثانوي حاليًا ويشجع كل أصدقائه على العمل التطوعي لما له من أثر نفسي كبير على الفرد، وأثر كبير أيضًا على المجتمع وامتثالًا لقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم “إن أحب الأعمال قضاء حوائج الناس”.

وعمل بعدة مجالات بالخدمة التطوعية، مثل توزيع المواد الغذائية للفقراء في شهر رمضان، وتنظيف المقبرة، وتوزيع الكفارات مع والده وأخيه في اللجنة الاجتماعية، والعمل في مشروع صيانة الحواسب خلال فترة كورونا والتعليم عن بعد، والتعاون مع لجنة بيئة في جميع أعمالها إذا ناسب لديه الوقت، إضافة لكونه قارئ قرآن يشارك في نشاطات الجمعية.

لن يستمر إذا لم يكن لوجه الله
وحكت خلود آل سعيد، مسؤولة القسم النسائي بجمعية العوامية، رحلة 15 عامًا مع التطوع وبدايتها معه ككادر تعليمي بالنادي الصيفي، إلى أن برزت كفاءتها بالعمل التطوعي ليتم ترشيحها لمسك زمام ومسؤولية القسم النسوي بالجمعية لتواجه كل التحديات مع الانتقالة الكبيرة في تنمية الموارد البشرية، والتي اختلفت فيها حتى طبيعة العمل عن السابق، مع الصعوبات التي حصلت مع بداية دخولها بالإدارة، حيث كانت متزامنة مع الظروف التي مرت بها بلدة العوامية، لكن العطاء لم ينقطع حتى بفترة الانقطاع عن دوام الجمعية، كانوا يزاولون نشاطهم حتى وهم خارج البلدة، حيث كانت تتلقى المكالمات وتسعى لإيصال المساعدات حتى أن البعض كان يأتي لمنزلهم ويحاول بذل المساعدات بالقدر المستطاع.

وذكرت الصعوبات التي واجهتها مع جائحة كورونا ومنصة العمل التطوعي والتفعيل الحقيقي لها، حيث بدأت التدريب عن طريق الأون لاين وتواصلوا مع الجمعيات الأخرى ومركز التنمية، لكن ظلت هناك صعوبة بالأون لاين، لكنهم حاولوا واجتهدوا ليتفاجأوا بأن الجمعية تحصل على المركز الرابع من بين جمعيات المنطقة الشرقية في منصة العمل التطوعي ليكون البلسم الذي يخفف التعب مهما كان المجهود المبذول.

وأوضحت أن أكثر الصعوبات التي واجهتها، أنها مهما عملت فإنه لا يعجب الناس، ووجهت نصيحتها لكل متطوع أن عليه تحديد وجهته نحو الله وأن يكون العمل لوجهه وليسأل نفسه لمن تعمل هذا العمل؟ وإذا كان توجهه للناس فإنه لن يكمل أبدًا وسيتراجع بأول نقطة تواجهه، فمعروف أن العمل التطوعي له صعوباته خصوصًا في مواجهة الجمهور والناس، وليس هناك من يتطوع خلف الكواليس وحتى لو كان يتمكن من ذلك لكن لا بد فيها من التواصل مع الناس بأنشطته الأخرى، وله أن يتوقع التحبيط والنقد اللاذع الذي من الممكن أن يفقده عزيمته بالعمل التطوعي.

وقالت: “لكن كما قلت سابقًا طالما أنت متوجه بهذا العمل لله فهو يمدك بالعون بشكل لا تتصوره، وهذا فعلًا الشيء الذي لقيته من التطوع”.

وأضافت أن التطوع طاقة إيجابية كبيرة تعود على الشخص نفسه وعلى عائلته وتنفتح له الأبواب بشكل غير طبيعي، فقد نمر بشدة والأمر يحتاج إلى أسابيع حتى يُنجز ولكن بفضل النية والإخلاص في العمل يتم إنجازه في يومين أو ثلاثة أيام، ووصفت أثر التطوع وتسخيرها خدماتها للناس أن الله يسخر لها من يقوم بقضاء حوائجها وتسهيل أمورها، فلا يستهان بالتطوع في أي عمل تقوم به فالله قد يدفع به عنه البلاء العظيم.

ونوهت إلى أن الذي يتطوع لا يستطيع الانسحاب إذا كانت فعلًا نيته خالصة لله، فالبعض مع ظروفه الصعبة لا يتركه ويستمر لعلمه أنه باب خير عليه وعلى مجتمعه لا يريد أن يُغلق عليه.




error: المحتوي محمي