الفراق المؤلم..

نَعَت القطيفُ فقيدَها وأيُّ خطْبٍ قد وقَعْ
يا شيخ عباسَ الذي من فقْدِهِ القلبُ انفجَعْ

لقد آلمنا جميعاً في القطيف كما آلم جميع الموالين في كل مكان نبأ رحيل العالم الجليل والمربي الفاضل والخطيب المفوه العلامة الشيخ عباس المحروس رحمه الله، فلقد أفنى عمره في خدمة دينه ومجتمعه، فكان عالماً عاملاً، ملك قلوب الجميع فاحبوه وبادلوه الوفاء.

كان الجميع يتلهف لمعرفة خبر يطمئن القلوب بتحسن وضعه الصحي وعودته لأهله ومحبيه، وتوالت الدعوات والتوسلات إلى الله بذلك، ولكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.

رحل عنا الشيخ الجليل فأيتمنا من جديد، فمنذ ما يربو على أربعين عاماً والوالد الغالي المرحوم الحاج الملا سعيد بن ناصر الخاطر كان يصطحبنا إلى حيث مسجد الشيخ عباس رحمه الله ومجلسه وبيته ومنبره، فكان أُنسنا النهل من علومه واخلاقه وتقبيل يديه الحانيتين وجبينه الأغر.

وفي يوم رحيل والدنا كان الشيخ رحمه الله أول المسارعين بقلب منكسر وعيون مغرورقة بالدموع ورجلين لا تكادان تحملانه للصلاة عليه وتوديعه.

وكنا نسمع نحيب الشيخ وحشرجة صوته وهو يصلي على الوالد على شفير قبره.

لقد كان الشيخ ملاذنا بعد وفاة والدنا وجابر كسرنا وبلسم جرحنا الغائر، تطيب قلوبنا بحديثه وتهدأ نفوسنا برؤيته وتبرد جمرتنا بابتسامته.

وعندما ابتلاه الله بالمرض رفعة لمقامه وعلواً لدرجته، كادت قلوبنا تطير وتتفطر (كما قلوب جميع محبيه) ونحن نبحث عن فرصة بحجم سَمِّ الخياط لرؤيته والاطمئنان عليه، ولكن إرادة الله فوق كل شيء، فقد أراد الله أن يغيِّبه عنا وعن جميع محبيه وعادت قلوبنا المنكسرة إلى الرجفان وأنفسنا إلى الهلع وجروحنا إلى الفتح من جديد.

وفي ليلة الاثنين المصادف 24 ربيع الثاني 1443 هـ، وبعد مضي أقل من خمسة أشهر على فراق والدنا المرحوم والذي لم تبرد جمرته بعد، جاءنا الخبر المؤلم كالصاعقة يحمل إلينا نبأً قاصماً لظهورنا ومعيداً لنا أحزاننا ويتمنا من جديد، فلقد تحققت رؤيا الشيخ التي قصّها علينا بأن الوالد دعاه وهو ممسكٌ بيده ليأخذه معه إلى مكان يحبانه كلاهما ويتلهفان لزيارته، فأخذه الوالد معه إلى طوس حيث أنيس النفوس عليه السلام.

وفي ليلة الرحيل المؤلم لسماحة الشيخ، رأى أحد المؤمنين الوالد رحمه الله في الرؤيا وهو في أبهى حلته مسرعاً قائلاً إن لديه موعداً لا يرغب أن يتأخر عنه (إنه موعد استقباله لسماحة الشيخ في جنة الرضا عليه السلام)، فهنيئاً لهما اللقاء من جديد عند من يحبان، ونسأل الله لنا العون والصبر والسلوان لفقدهما والتحسر عليهما والبكاء عليهما الذي لن ينقضي أبداً.

فهل تقدر أنفسنا على الذهاب لمسجده ورؤية محرابه خاليلً منه، أم هل تستطيع أرجلنا حملنا لبيته الخالي من محيَّاه، أم هل تتحمل قلوبنا المنكسرة حضور مجلسه دون السلام عليه وتقبيل جبينه الوضَّاء عند الدخول، أم هل تخيب ظنوننا برؤيته على منبر الوعظ والإرشاد من جديد؟؟؟

إنها إرادة الله التي لا ترد وقضاء الله النافذ وليس لنا إلا التسليم، حيث خرج عشرات الألوف من محبيه من كل حدب وصوب بذهول وبقلوب منكسرة ودموع منهمرة لتشييعه والصلاة عليه وحمله على الأعناق إلى مثواه الأخير بقلوب مؤمنة ونفوس مطمئنة بقضاء الله وقدره، فنسأل الله أن يتغمده ويتغمد والدنا بواسع رحمته، وأن يحشرهما مع من أحبّا وخدما وأطاعا، محمد وآل محمد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.



error: المحتوي محمي