في جزيرة تاروت.. بين «ظلٌّ وضوء».. آل ابريه يدشن أبوذيته

أهدى الشاعر جليل هلال، على غير العادة، الشاعر يوسف آل ابريه في أمسية توقيع ديوانه “الأبوذيّة ظلٌّ وضوء الفنون والأشكال”؛ قصيدة لأبوذيٌّتين من تأليفه نظمها من وحي مناسبة تدشين “آل ابريه” لديوانه، بحيث ينتهي شطر الأولى بضوء والثانية بظلٌّ، مقدمًا إياها له كعربون محبة عوضًا عن باقات الورود.

وجعل “هلال” القصيدة ضمن نسق القصائد التي تضمنها الكتاب من حيث الأسلوب الشعري؛ وقال فيها:

يمن وجهك يشع بنور وضوء
وشعرك سابقن للصوت وضوء
كتابك يشتهيه الظل والضوء
ومنهم اسمه ماخذ جاذبيه

يا عاشق هالبحر لاتوه واظل
وانشد عن كتاب الضوء والظل
لبوذيه سحر لبريه واظل
إله بصمة بكتابه ألمعيه

وجمع الشاعر “آل ابريه” في أمسيته أكثر من ٣٠ شاعرًا، وعددًا من المهتمين بالجانب الثقافي والأدبي في المجتمع، وذلك يوم السبت ٢٧ نوفمبر ٢٠٢١م، في مطعم “تراث الأجداد” بجزيرة تاروت.

وتميزت الأمسية بتوحد الذائقة الشعرية بين “آل ابريه” والحضور، كشف خلالها عن خفايا رحلته البحثية لديوانه، والحديث عنه من بين الأوراق النقدية التي قدمها المشاركون، أو تعريفه الخاص لما تضمه دفتاه من ١٠٠ أبوذية، وزعت على ٢٤٨ صفحة من القطع الوسط، والصادر عن مركز أبوظبي للغة العربية.

واستهل الشاعر علي مكي الشيخ الأمسية بالترحيب بالحضور، والتعريف بالشاعر “آل ابريه” بدأها بقوله: “شاعر ازدحمت داخله ينابيع المواهب ورافد التميز، بإمكانك أن تقرأه شاعرًا شعبيًا من الطراز الأول، متمكنًا ضليعًا”، وانتقل بعدها للإشارة لمؤلفاته الأربعة السابقة المطبوعة؛ “روحي سفينة عشق” عام ٢٠١١م ويضم مجموعة مواويل وزهيريات، وديوان “حيث أنا” الذي يحتوي على شعر الغزل الفصيح، وبعده ديوان “تلوتك شعرًا” وهو مجموعة من أبوذيات مولدة من الشعر الفصيح، و”حكاية الموّال” عبارة عن دراسة استقصائية حول فنون الموّال وأشكاله.

وختم كلمته بتقديم لمحة موجزة عن إصداره الأخير “الأبوذيّة ظلٌّ وضوء” والذي اعتبره بحثًا استقصائيًا عن الأبوذيّة الشعرية، ويعطي من خلاله الكاتب نموذجًا أن الشاعر الواعي يبدع أينما حط رحاله، وما دام يحكم أدواته الفنية ورؤيته الجمالية، سيستعذب القارئ نكهة الإيقاع ومراوغة الجناسات ويبحر في سياحته الشعرية عبر ما استقصى من ١٠٠ نوع.

من جانبه، طرح الشاعر حسين آل عمار ورقة نقدية حول الكتاب بعنوان “الأبوذيّة عوالم موازية وأزمنة متجددة.. كتاب يوسف آل ابريه نموذجًا”، منوهًا بأنه اختار أن يكون كلامه انطباعيًا محضًا، لافتًا إلى أن المؤلف اعتمد في كتابه على البحث والحصر والاستقصاء والشرح الأكاديمي.

وتطرق “آل عمار” في ورقته إلى أسلوب المؤلف في الكتابة، والذي وصفه بأنه “فتح الأبواب وراء كل معلومة، والتي تجعل القارئ أسيرًا لبقية الأبواب وفتحها لمعرفة المعلومات، فلا يتسرب له السأم والملل من طبيعة المعلومة الجامدة التي تحتوي عليها، وشرحها بالطريقة الأكاديمية المحضة المبسطة”.

وأشار إلى تفاصيل الكتاب وكيف قدم المؤلف تعريفًا حول الأبوذيّة، وسبب تسميتها، وكيف استفاض في شرحها شرحًا وافيًا، وكيف نشأت كأحد الفنون الشعرية من بلاد العراق إلى أن انتشرت في دول الخليج ووصلت إلى القطيف.

وتحدث عن قدرة استشهاد الكاتب بأمثلة على كل نوع من الأبوذيّة، ذاكرًا رموزها الذين تفننوا في إلقائها، مع التنويه إلى المصادر بذكر أسمائهم، والتي تدل على إحاطته بهذا العلم، وأنها من بنات أفكاره، وقد اخترعها بطريقة تجذب القارئ، وتبين له كيف استطاعت أن تتحدث بطريقة أكثر سلاسة عن كل الظروف ومتغيرات الحياة رغم صغر حجم مفرداتها التي تجمعها أربعة أشطر فقط.

وعبر “آل عمار” عن رأيه في بعض الأبوذيّات بقوله: “أجد صعوبة في فهم الأسباب الباحثة وراء كتابة الأبوذيّة المؤرخة التي لا تتبع تقنية معينة ووضعها في كتاب، كما أجد رتابة في الأبوذيّة الموحدة، أما الأبوذيّة المتشابهة فرغم صعوبتها إلا أنني أراها متناغمة وجميلة”.

وعرّف الشاعر آل ابريه في كلمته التي قدمها، معنى “الأبوذيّة” كمصطلح لغوي، وكيف تعددت الآراء حوله، فكانت بين؛ كلمة مركبة من “أبو” وتعني الصاحب، ومن “ذيّة” وهي مخففة من “أذية”، فيكون معناها صاحب الأذيّة، ورأي آخر أنها محرفة من كلمة “عبودية” نسبة إلى القبيلة العربية عبودة، أو أنها مأخوذة من “البوذيّة” المعتقد الوثني.

وكشف الشاعر أن الأبوذيّة تتألف من أربعة أشطر بحيث تلتزم الأشطر الثلاثة الأولى بجناس لفظي موحد، متشابه في اللفظ، مختلف في المعنى، أما الشطر الرابع فينتهي بياء مشددة مفتوحة مع هاء ساكنة، مشيرًا إلى أنها من بحر الهزج لا الشعر الوافر كما يتوهم الكثير، وبعضها مشترك مع فنون الموال وهذا ليس غريبًا بسبب تشابه الفنون الشعرية..

وأكد أنه عند جمعه للأبوذيّات ذكر مصادرها، إلا أنه استنتج البعض من الشعراء ووضعها باسمه، والبعض الآخر أضافه من عنده من اسمها وأخذ نماذج له، ورأى أنه كلما كان شطر البيت من العربي الفصيح كانت الأبوذيّة أحسن وأجمل، وختم كلمته بإلقاء نماذج من الأبوذيّات وهي؛ الأبوذيّة التعليمية، والحرف، والمحافظة، والفصحى، والمطرزة، والأبوذيّة المولدة من الرباعية.

وأشاد الشاعر باسم العيثان بالجهود الأدبية للشاعر يوسف آل ابريه التي لا تنتهي، وقال: “ما إن ينتهي من عمل إلا ويشرع في عمل آخر، بعده قدم كلمته النقدية للكتاب ولكن لم يكن لها حظ بأن تدون في الكتاب بسبب رسميات دار النشر، وعليه رأى أن يلقيها في هذا المحفل”.

واعتبر “العيثان” الأبوذيّة لونًا قادرًا على تحويل اللغة إلى خشبة مسرح تتجسد الفكرة داخلها بقليل من الممثلين (المفردات) وكثير من المؤثرات (الدهشة)، مبينًا الصور الجمالية لفن الأبوذيّة وجمعها بين فنون الشعر الشعبي، والشعر الفصيح، ولها الأسبقية في استخدامها فن الومضة الشعرية، والاتزال، والانسياح والدهشة، لافتًا إلى أن ديوان “الأبوذيّة ظلٌّ وضوء الفنون والأشكال” خير شاهد على ما يقول بتمثيل هذه الفنون.

وفي نهاية الأمسية كرّم منتدى حرف الأدبي المؤلف ومثله الشاعر علي سباع، بعدها وجه الشاعر “آل ابريه” الشكر للجميع على الحضور وتلبية الدعوة، مع شكر فاضل آل ابريه وعلي الشبركة على حُسن الاستضافة للأمسية.

من جانب آخر، تحدث “آل ابريه” لـ«القطيف اليوم» عن رحلة كتابته في الكتاب والتي امتدت لعدة سنوات، عندما كان يجمع نصوص كتابه “حكاية الموال”، إلا أن تركيزه عليه بشكل دقيق كان منذ سنتين، بعد جمعها من عدة شعراء من العراق، والخليج، والشعراء من محافظة القطيف، وبلدة سنابس مسقط ولادته.

وأوضح أن رغبته في الكتابة عن الأبوذيّة تولدت مع حبه لفنون الشعر منذ صغره، مع سماع أذنيه عمه الشاعر إبراهيم آل ابريه (أبو الميرزا)، وكان بارعًا في الأبوذيّات، ومع كثرة جلوسه معه وسماعه وهو يلقي الأبوذيّات والألغاز أينما يجلس، رسخت في ذهنه، بالإضافة إلى حبه إلى سماع الغناء الريفي العراقي، وعليه تولدت لديه السليقة الشعرية.

وذكر أن محافظة القطيف تحتضن شعراء نبغوا في شعر الأبوذيّة وكان لهم فضل في الاستشهاد بنصوصهم وضمها إلى كتابه ومنهم؛ محمد آل تلاقف، وأحمد الطوال، وحسن العبد الأمير، وعلي الدرورة، وياسر المطوع، وعلي مكي الشيخ، كما استعان بشعراء العراق ومن بينهم الذين أخذ منهم شواهد؛ كامل منصور الكعبي، ومحمد الخالدي.

من جانبه، قال الشاعر محمد آل تلاقف عن التدشين: “لقد شهدنا تدشين كتاب شاعرنا يوسف آل ابريه وهو يقدم لنا تحفة رائعة ومرجعًا من الفن الجميل كانت محطتنا تلك الليلة، حيث قدم لنا تحفة رائعة ومرجعًا في فن الأبوذية الجميلة أسماه “الأبوذية.. ظل وضوء” وكان كذلك، حيث أورد لنا شذرات من هذا الفن المدهش كومضات تسحر الألباب ويتفاعل معها الحضور ليأخذنا معه في الأعماق يرينا فيه جمال وتصانيف هذا الشعر الشعبي المسمى الأبوذية، وتلك حكاية أخرى، فمرة يأخذنا للأبوذية للمدورة وأخرى للمتشابهة وثالثة للمجنحة ورابعة للمولدة وتصانيف أخرى جميلة كانت من نظمه البديع وأخذنا بين حزن وفرح وابتسامة وآهات وغزل، وهكذا هو فن الأبوذية”.

وأضاف آل تلاقف: “ووسط هذا الألق ألقى بين أيدينا ثروة في هذا الفن الشعبي ومرجعًا لمن أراد ركوب هذا البحر سواء للنزهة أو الإبحار الذي كان شاعرنا هو الربان الواثق والمرشد الماهر له وهو يقلب صفحات كتابه الأبوذية.. ظل وضوء”.

واعتبر الشاعر حسن الأمير أن الكتاب يكاد أن يطلق عليه بحثًا أكاديميًا دقيقًا وشاملًا، استطاع الكاتب أن يطرح فيه جميع أنماط الأبوذيات بوجهٍ تعريفي مقتضب وواضح يطرح من خلاله نماذج توضيحية واضحة المعالم لكل أنموذج ونوع في هذا النمط الشعري الجميل، وذلك من خلال استشهادات تسلسلية دقيقة.

وبين أن الكاتب استطاع أن يمزج في هذا الكتاب بين وجهات النظر المطروحة مسبقًا وبين وجهات نظره الخاصة به، والتي طرحها بأسلوب نقدي لا يتعارض ولا يصطدم مع الآراء الأخرى التي سبقته في الطرح بل جعلها امتدادًا لما قدمه الآخرون، مقدمًا تباريكه للشاعر على هذا النتاج البحثي الجميل في وقت نحن فيه في أمس الحاجة لمثل هذه الإصدارات.




error: المحتوي محمي