كنت من المحظوظين الذين عرفوا الشيخ وكانوا قريبين منه ولازموه لسنين عديدة في صلاة الجماعة وتحت منبره وفي مجلسه بمنزل والده رحمة الله عليه بمنطقة باب الشمال بالقطيف.
عرفت في شخصية هذا الشيخ الفقيه إنساناً أخآذاً بجميع ما تحمله وتعنيه كلمة الإنسانية، فيكفي أن يشعرك رحمة الله عليه أنه قريب منك وأنك قريب منه لدرجة أنك لا تستطيع مفارقته ولا أن تقطع مجلسه ومجالسته. رجل يملك شخصية، جاذبة ومحبوبة ونفس حانية تحط من عناء المرء. بعيدًا عن التكلف.
قريب من القلوب لا تمل حديثه مهما طال، بل إنك لا تمل أن تتحدث إليه حين ينصت إليك بكل جوارحه مهما كان حديثك وهو ما يزرع الثقة والارتياح في النفس مهما كان عمره، لهذا تراك تبوح له بأسرارك وهمومك والتي يداويها بحكمته وحنكته وأسلوبه الفريد.
يسألك عن العائلة فتفصل له، فلا ينفك أن يسألك كل مرة عن أحوالهم فرداً فرداً وأن تبلغهم السلام حتى أصبحت العوائل وكأنها تعرفه عن قرب، وهذا ما حدث لأهلي وخاصة أم عيالي وقد أطبق عليها الحزن حين فاجأها الخبر وهي التي تسألني عنه كل مرة فأنقل لها ما ينقل لي أخوه العزيز الأستاذ زكي أبو أحمد ربط الله على قلبه.
جمعتني معه أيضاً مصادفة سفرتين جوار المشاهد المقدسة وكم كان رفيقاً جميلاً في الأسفار وعلى بساطته المهيبة وأسلوبه الشفاف في الحديث والمؤانسة وهما من الأسفار التي لا تنسى تفاصيلهما ولا أوقاتهما ولا اللحظات التي كنا معه فيها
كانت آخر مرة التقيته فيها وقت مراسم دفن الفقيد السعيد الملا الحاج سعيد الخاطر رحمة الله عليه وهو يأبن ويثني على رجل العلم ويعدد مواهبه ومواقفه وصفاته، ويا للأسف ما هي سوى أشهر ليقدر الله أن يرحل هو الآخر مخلفاً الحسرة واللوعة في قلوبنا نحن الذين لم نشبع منه ولا من مجالسته كثرت أو قلت.
سنفتقده كثيراً بحق ولن نسأل الآن متى سيعود، بعد أن كان يسأل عنا حين يفتقدنا ولو لصلاة جماعة واحدة أو تمنع الظروف أحدنا من أن يحضر عند منبره أو في مجلسه المبارك.
أظن أن الفراغ الذي سيسببه فقده رحمة الله على روحه النقية سوف يصعب سده، فشخصيته الفريدة قل أن تتكرر، وفقد علامة مثله ستشغل بال المحيطين به بلا شك، فضلاً عن الحزن الذي سيخلفه رحيله والذي لن ينقضي بسهولة مهما امتد الزمن لأنه خلف ذكراه في كل الزوايا والحارات والقرى ومعارفه غطت المنطقة بعمومها. وعلى ذلك فإن الجميع اليوم في حداد ويشعرون باليتم لفقد عزيز مثله.
هذا جزء من شخصية العلامة الشيخ عباس المحروس الإنسان بعيدًا عن الدين والمسجد والمنبر، وهو ما يترك تفصيله لأهله.