مهرجان شجرة القرم السنوي

لطالما كتبت مقالات عن هذه الشجرة المباركة وهي من الأشجار التي تعيش بمحاذاة الساحل الشرقي من المملكة ابتداء من رأس تنورة شمالًا مرورًا بصفوي جنوبا إلى القطيف ثم سيهات وصولًا للدمام جنوبًا وكانت هذه الأشجار تشكل غابات كثيفة تغطي مساحات واسعة لمئات الكيلو مترات، ولكن للأسف دمرنا أكثر من 90% من هذه الغابات وذلك بفعل الإنسان إما لعوامل التوسع العمراني أو لعوامل إنشائية اقتصادية أو العبث المتعمد الناتج عن الجهل البيئي بإلقاء النفايات والقاذورات في البحر مما أدى لانحسارها وتدميرها.
 بينما تقوم الدول المتقدمة بحماية هذه النبتة وزيادة مساحتها نقوم نحن بتدميرها والقضاء عليها بالرغم من المبادرات المشكورة من قبل وزارة الزراعة والثروة السمكية لتوطينها وتوسيع مساحتها في العديد من مناطق المملكة.
من هذا المنطلق ومن حرصي على نشر ثقافة المحافظة على هذه الشجرة المباركة ومن منطلق نشر الثقافة البيئية في المجتمع وللأجيال القادمة بدر على ذهني إقامة مهرجان سنوي لتكريم هذه الشجرة نطلق عليه “مهرجان شجرة القرم السنوي – Annual Mangrove Festival” ويكون هذا المهرجان برعاية محافظة القطيف وبدعم من وزارة الزراعة والثروة السمكية ويقام بشكل سنوي ويمتد على مدى ثلاثة أشهر من بداية شهر أغسطس إلى نهاية شهر أكتوبر ففي هذه الأشهر تكون بذور هذه الشجرة قد اكتملت ونضجت وأصبحت صالحة للزراعة.
هناك عدة أهداف لإقامة مثل هذا المهرجان السنوي منها على سبيل المثال لا الحصر:
إلقاء الضوء على أهمية هذه الشجرة المباركة وحماية البيئة البحرية وإعادة استزراع هذه الشجرة وتوسيع مساحتها وذلك بالقيام بجمع البذور والشتلات وإعادة زراعتها، وليتم ذلك بإشراف خبراء زراعيين فنكون بذلك قد ساعدنا ولو بالقليل لإعادة التوازن البيئي ومساعدة الأسماك لتفقيس بيضها عند جذوره ومساعدة الطيور على بناء أعشاشها على غصونه. وإحياء العمل التطوعي على جميع المستويات بمشاركة جميع أطياف المجتمع بدءًا من الأطفال في المراحل الأولى إلى الكبار رجالًا ونساء فبذلك نبث ثقافة المحافظة على البيئة ونجعلها عادة مجتمعية سنوية وهذا ما يتطابق مع رؤية 2030.
فهذا المهرجان السنوي إن تم تبنيه فسيكون له الكثير من الإيجابيات منها: تنشيط الحركة السياحية في المنطقة واستحداث الكثير من الفرص الوظيفية لبعض العاطلين وتنشيط الاقتصاد المحلي واستحداث الكثير من المهن المحلية وتشجيع المناطق الأخرى من المملكة والتي توجد بها هذه الشجرة لحذو حذونا وإقامة مهرجانات مماثلة.
ونبات القرم من النباتات الشاطئية التي تنمو عند الحد الفاصل بين البحر واليابسة في المناطق الحارة والمدارية وتتميز بقدرتها على مقاومة الظروف البيئية الصعبة التي تعجز عن مواجهتها معظم النباتات الأخرى، وهو نبات يشارك في تشكيل نظام بيئي وحيوي متكامل حيث تتواجد الطيور على أغصانه، والحيوانات البرمائية عند شواطئه والأسماك الصغيرة عند جذوره، ووجوده يثبت تربة الشواطئ ويحميها من التآكل، كما تفضل الأسماك الالتجاء إليه عند وضع بيوضها.
لا يمكن إحصاء الفوائد المباشرة وغير المباشرة للأيكات الساحلية لنباتات القرم بالنسبة للإنسان والبيئة ولكافة أشكال الحياة فيها وفيما يلي نوجز أهم تلك الفوائد:
تعمل أيكات نباتات القرم الساحلية على إنتاج الأكسجين وامتصاص غازات الكربون والغازات السامة وهذا ما يساعد بشكل كبير على تقليص الاحتباس الحراري.
تعتبر أيكات نباتات القرم من أهم النظم البيئية في تخليص الجو من الغبار والمعلقات الضارة في الهواء.
تقوم أيكات نباتات القرم في المحافظة على درجة الحرارة المناسبة للحياة الشاطئية وخاصة في تقليص الفوارق الحرارية بين النهار والليل.
تعتبر نباتات القرم ذات دور رئيسي في المحافظة على رطوبة ودورة المياه في التربة وعلى جلب الأمطار.
تلعب نباتات القرم دورًا مهما في منع ظاهرتي الانجراف والتعرية للتربة الشاطئية.
تعمل أيكات نباتات القرم الساحلية على تنظيم حركة الرياح والسحب والأمطار وتوزيعها على سطح الأرض.
تقوم نباتات القرم بتكوين التربة (الطميية) عن طريق تجميع الرواسب الطينية والعضوية حول الجذور الدعامية والجذور الهوائية التنفسية في المواقع الشاطئية.
تقوم بتنقية ماء الجريان السطحي الأرضي، وكذلك إزالة المعلقات والرواسب العضوية الأرضية.
تنتج نباتات القرم كميات كبيرة من المخلفات العضوية والتي سوف تشارك بدورها في تغذية وإنتاجية العديد من الكائنات الحية الشاطئية.
تعتبر أوساط الأيكات الساحلية لنباتات القرم الوسط المثالي للعديد من الأسماك الصغيرة واللافقاريات والعديد من النباتات والحيوانات (العالقة).
تعتبر أوساط الأيكات الساحلية لنباتات القرم الوسط المثالي للعديد من الطيور البرية الصغيرة والكبيرة.
تعتبر نباتات القرم كعلف أخضر ترعى بواسطة قطعان الجمال والماعز التي يربيها السكان المحليون حيث تتغذى على أوراقه حينما تكون النباتات الأخرى غير متاحة خاصة خلال موسم الصيف، ولكن لا يعتبر نبات القرم من النباتات العلفية نظرًا لارتفاع ملوحته.
تستخدم الأفرع الخشبية لنباتات القرم كوقود عالي القيمة وهذا يفسر التدمير الكبير الذي يحدث لجماعات هذا النبات قرب المستقرات البشرية.
يتشكل ما يقرب من ثلث غذاء (الروبيان) النباتية المنشأ في مناطق الأيكات الساحلية للقرم وتمثل الأجزاء المستخدمة من النباتات المكونة لهذه الأيكات نحو 60% منها.
تعتبر الأيكات الساحلية لنباتات القرم الوسط المثالي الذي تتغذى فيه الأسماك التي تعيش عادة في الماء الضحل والتي تأتي مع موجات المد إلى هذه المناطق وتتغذى على الكائنات البحرية اللافقارية التي تعيش في هذه الأيكات.
ينتج عن أيكات القرم الساحلية كميات كبيرة من المواد العضوية والمواد الدبالية والتي تتحرك إلى مناطق الماء المفتوح مما يساهم في تغذية العديد من الكائنات البحرية بها.
تستخدم أخشاب نباتات القرم في بعض البلدان في إقامة أسقف المنازل نتيجة لصلابة أخشابها واستقامتها وفي بناء القوارب وإقامة الأسيجة والمنحوتات الخشبية وكوقود خشبي ذي رائحة طيبة.
بالرغم من الصفات التشريحية لأخشاب الأيكات الساحلية من حيث قصر الألياف وسمك الجدر الخلوية، والتي تجعلها غير مناسبة للاستخدام بنسب كبيرة في صناعة عجين الورق، فإن صناعة لب الورق أصبحت من أكثر الصناعات استهلاكاً لأخشاب هذه النباتات في دولة اليابان.
تستعمل نباتات القرم في الفلبين لإنتاج ألياف (الفيسكوز) المستخدمة في صناعة النسيج.
يستغل كسر الخشب والأفرع الصغيرة والنشارة لنباتات القرم والناتجة عن استخلاص الدعائم والألواح في صناعة الخشب المضغوط المستخدم في التشييد والتأسيس.
يستفاد من الأجزاء غير الخشبية مثل (القلف والأوراق) في إنتاج المستخلصات الكيميائية مثل (التانينات) والمواد الفعالة لصناعة الأصماغ والأصباغ.
تعتبر نباتات القرم مصدراً لمكونات الهرمونات مثل (التربينات والأستيرويدات) إلى جانب وجود مركب (الكومارين) الذي يعد مصدراً يستخدم في تركيبات العقاقير والأدوية الطبية.
إن مستخلص بادرات نباتات القرم كان يستخدم قديماً كمقوٍ عام للرجال، وهذا ما أكده العالم ابن عباس النباتي عام 1230م والذي أضاف أيضاً أنه يستخلص منه مواد طبية لعلاج العديد من الأمراض ومنها أمراض اللثة وأمراض الكبد.
أثبتت التحاليل الكيميائية الحديثة والتي أجريت على أجزاء من نبات القرم النامية احتواءها على مواد تعتبر مصدراً لإنتاج الهرمونات المقوية.


error: المحتوي محمي