العُجب خطورته وأثره

قال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ الكهف 104.

يحرز المتعلم على سبيل النجاة إنجازات ومواطن سبق في مجالات عدة في هذه الحياة، بجد وإصرار وعمل ومعرفة وتحصيل ومثابرة، فكما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه أنه قال: “الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق”.

داء العالم وهادم لما تعلمه “العُجب”، سنتناول هذا الداء الذي يصيب الأخلاق ويترك أثره السلبي على الفرد دنيويًا وسوء منقلب في الآخرة من حيث المفهوم والأثر وطرق تفاديه.

أما من حيث دلالة ومفهوم العُجب عند اللغويين؛ فإنه يعني أن يتكبّر الإنسان في نفسه، تقول مُعجَبٌ بنَفسه، وتقول من باب العَجَب: عجِب يَعجَبُ عَجَبَاً، وأمرٌ عجيب، وذلك إذا استُكْبر واستُعْظِم.

أما في الاصطلاح فهو ابتهاج الإنسان وسروره بتصوّر الكمال في نفسه وإعجابه بأعماله، والإدلال بها بظنّ تماميّتها وخلوصها، وحسبان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير.

وأما ما جاء في القرآن عن العُجب والتحذير منه وعواقبه، فقد قال عز من قائل في مواضع في كتابه الكريم:
* قال جل وعلا :﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ – سورة فاطر 8.

* ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوأَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ – سورة النجم 32.

فقد أشارت الكثير من المرويات عن روايات أهل البيت إلى العُجب والتحذير منه.

فقد جاء في كتاب الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر لما ولّاه مصر: “إيّاك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحبّ الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين”.

كما قال الإمام جعفر سلام الله عليه: “إنّ الله علم أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب”.

يرى علماء الأخلاق أنّ رذيلة العُجب تؤدي إلى رذيلة أكبر منها وهي الكبِر، كما أنّه بذرة لرذائل أخرى ومنشأ لأمور يشكّل كلُّ واحد منها سبباً للهلاك والخلود في العذاب، وكذلك فإنّه يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها لظنّه أنّه مستغنٍ عن تفقدها، ويدعو إلى استعظام العبادات والطاعات والمنّة بها على الله.

وأما فيما يتعلق بأقسام العجب وعلاجها؛ فقد اعتبر علماء الأخلاق أن الأمور التي يمكن للإنسان أن يصاب بالعجب من ورائها، ترجع لعدة أمور منها:

فمنهم من يعجب بجسده من حيث الجمال والشكل والصحة و…، والعلاج يكون من خلال التفكر من أين أتى وإلى أين مصيره وما يحتوي من قاذورات في جسده.

ومنهم من يعجب بقوته وقدرته، وعلاجه أن يتفكر بأنّ مرضاً بسيطاً كالحمى يضعف قوته، وشوكة وذبابة تعجزه.

وآخر يعجب بذكائه وعقله، وعلاجه أن يلتفت إلى أنّه أدنى مرض يصيب دماغه يخل بعقله.

والكثير يعجب بكثرة الغلمان والخدم والأولاد والأقارب والعشائر والأنصار، وعلاجه أن يتفكر بأنه هو وهم عبيد وعجزة ومآبهم إلى التراب ولن ينفعوه هناك، بل سيهربون منه.

وأن يعجب بالمال، وعلاجه أن يتفكر بأنّ المال يأتي ويذهب ولا أصل له.

وأن يعجب بالرأي الخطأ، وعلاجه أن يكون متهماً لرأيه ولا يغتر به إلا أن يأخذ مُسنداً من القرآن الكريم وما ورد عن النبي وآله الكرام صلوات الله عليهم أجمعين.

ومن مفاسد العجب؛ أنه مسبب للوحشة، فعن الإمام علي (سلام الله عليه): “لا وَحدَة أوحش من العجب”.

ويولد البغضاء: فعنه أيضا: “ثمرة العجب البغضاء”.

والعجب رأس الحماقة: عن أمير المؤمنين: “العجب رأس الحماقة”.

وهو سبب لمنع الرزق والهلاك: وعنه أیضاً: “الإعجاب يمنع الازدياد”، فعن الإمام الصادق سلام الله عليه: “من دخله العجب هلك”.

حمانا الله وإياكم من هذا الداء الهدام الذي يتغلل في أنفسنا دون أن ندركه، وجعل أعمالنا وأعمالكم خالصة له سبحانه.



error: المحتوي محمي