التركيز على الأنظمة الغذائية أربك الحياة الغذائية

ما أكثر ما نقرأ ونشاهد من أنظمة غذائية تحدثنا عن اللياقة البدنية والرشاقة وبناء العضلات وتحسين الصحة، وما أكثر ما خلط الحابل بالنابل، ولكن هناك حقيقة أن الصحة واللياقة أصولاً ودراسات علمية.

هناك أنواع من الشاهي للتخلص من السمنة، وأيضاً شوربة يقال إنها حارقة للدهون، وهناك من يقول إن ملعقة من عسل النحل على الريق وبعدها شرب كوب من الشاهي غير المحلى للتخسيس، وهذا الدواء أو تلك العشبة تذيب أو تحرق الدهون.

كل تلك الوصفات والخلطات لا تؤثر ولن تزحزح أرطال الشحوم المكتنزة في الجسم، وتجعل الإنسان يعيش على وهم وسراب، والنصيحة هي بعدم الالتفاف لمثل هذه الخزعبلات الواهية، حينما يلجأ إليها الكثير من الناس يكتشفون عدم فعاليتها، بل تعمل على فقد كمية كبيرة من الماء وأجزاء من الطعام المهضوم وغير المهضوم فيحمل قدراً كبيراً من الفيتامينات والمعادن والمواد الضرورية قبل أن يستفيد منها الجسم.

تعتمد معظم الأنظمة الغذائية على دعاية كاذبة غرضها الربح الوفير من فكرة التخسيس أو بناء العضلات أو للرشاقة أو لتحسين الصحة، وبعضها قد ينجح في الغرض التي صنعت من أجله، ولكن قد يكون ذلك على حساب صحة الشخص وسلامته، فهي لا تخلو من أضرار وأخطار جانبية تجعل الاستمرار في اتباعها خطراً على صحته.

اتباع الأنظمة الغذائية وقوائم الحميات التي لا حصر لها، مثل حمية دوكان، وباليو، وأتكينز، والكيتون، وكامبردج، والحمية القلوية.

أقول مثل هذه الأنظمة الغذائية لها تبعات خطيرة، فالحمية المسماة باليو مرتفعة البروتينات لا تبني العضلات، وقد تكون لها آثار سلبية على الكليتين والكبد، بينما الحمية عالية الكربوهيدرات تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب وزيادة الوزن من خلال التسبب في اضطراب نسبة الأنسولين والجلوكوز في الدم، الأمر الذي يساعد على الإصابة بمرض السكري، فمعظم الحميات غير متوازنة ومضطربة وعليها أكثر من علامة استفهام، فهي تفتقر إلى كثير من العناصر الغذائية المهمة للجسم والتي تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على جميع العمليات الحيوية التي يقوم بها الجسم الحي وتتسبب في الكثير من الأمراض وتضعف جهاز المناعة.

ظاهرة التزايد غير المسبوق بين أوساط الشباب على ما يسمى النظم الغذائية للحمية والمنتجات المتعلقة به التي أخذت تنتشر بصورة كبيرة، في فترة حرجة من مرحلة النمو والتطور، الأمر الذي دعت الكاتبة الأمريكية “باميلا أسباند” بتأليف كتاب “قوائم الحياة للمراهقين” قدمت فيه مواضيع عديدة حول أفضل وسائل تغذية وتمارين للمراهقين، منها خمسة عشر سببًا تدعو لعدم إقدام المراهقين على تلك النظم للحمية.
وهذه الأسباب هي:
1- النظم الغذائية لا تفيد، فعندما تتبعها فإنك تفقد وزنًا، لكن من الماء والعضلات لا من الدهون، فجسدك يظن أنك تجوعه فيستجيب بأن يبطِّئ من معدل حرقك للسعرات.
2 – النظم الغذائية لا تجعلك حسن الهيئة، فبعض النحفاء (وليس كلهم بالطبع) هم في الحقيقة أقل وزنًا من الطبيعي، وربما يعانون من سوء التغذية، ويحتمل أيضًا أن يكونوا هزيلي ورثِّي الهيئة بسبب أسلوب الحياة الخامل وافتقاد نضارة العضلات.
3 – النظم الغذائية يمكن أن تجعلك سميناً، فقد أظهر البحث أن معظم المتبعين لنظم غذائية يفقدون 25 رطلاً أو أكثر من خلال النظم الغذائية الصارمة، ومن ثم يعودون إلى عاداتهم الغذائية القديمة، ويستردون الوزن الذي فقدوه، ثم يتبعون النظم الغذائية ثانية ويستردون المزيد من الأرطال، وهذا يسمى نظام الدمية المطاطية وهو بمثابة حلقة مفرغة.
4 – النظم الغذائية تبطئ عملية التمثيل الغذائي لديك، فجسدك له وزن مبرمج جينيًا يسمى النقطة الثابتة، فكل قليلاً جدًا وسيتحول نظامك إلى نظام المحافظة على البقاء ويبطئ عملية التمثيل الغذائي لديك للحفاظ على الطاقة وتخزين الدهون.
5 – النظم الغذائية قتال عابث ضد جيناتك، فوزنك المثالي يعتمد على نوعية جسمك وحجمه ونوعية جسمك حددتها جيناتك مسبقًا.
6 – النظم الغذائية غير صحية فعندما تلتزم بنظام غذائي لتقليل السعرات فمن المستحيل تقريبًا أن تحصل على كل الفيتامينات والمعادن التي يحتاجها جسدك، وقد تحتوي المشروبات المخصصة للنظام الغذائي على مواد غذائية مضافة، لكن جسمك يحصل على فوائد أكبر من الفيتامينات والمعادن الطبيعية الموجودة في الأطعمة الصحية.
7 – النظم الغذائية تجعلك أبطأ، فعندما تجرد جسدك من المواد الغذائية الضرورية لا يمكنه أن يعمل بكفاءة، والانخفاض الحاد في السعرات يمكن أن يجعلك متعبًا، ضعيفًا وأقل يقظة.
8 – النظم الغذائية يمكن تؤدي إلى اضطرابات في الأكل، بالوسوسة بشأن الطعام والوزن يمكن أن تؤدي إلى فقدان الشهية، أو الشره، أو النهم القهري للطعام.
9 – النظم الغذائية يمكن أن تجعلك سيئ المزاج، فهل تعرف أحدًا يكون نشيطًا ورائق المزاج وهو يطبق نظامًا غذائيًا؟
10 – النظم الغذائية تعين على سوء اختيار الطعام، بالأطعمة المعبأة المخصصة لهذه النظم والأطعمة الخالية من الدهون لا تعلمك كيف يكون أكلك صحيًا، وهذا مفتاح لمعالجة طويلة الأمد للوزن، فضلاً عن أن كثيرًا من الأطعمة الجاهزة مشحونة بالكيماويات والصوديوم.
11 – النظم الغذائية لا تجعلك أكثر شعبية ولا أكثر سعادة، فأنت تتعجل بالتزام حمية وتفقد عشرة أرطال، فهل تتغير حياتك فجأة؟ إن كونك أكثر نحافة لن يصنع منك بطريقة صحية شخصًا أكثر شعبية أو يمنحك أصدقاء أكثر، أو يحولك إلى شخص أفضل، إن فقدان الوزن ليس مفتاح السعادة.
12 – النظم الغذائية تمنعك من الاستمتاع الكامل بالحياة، فهل تريد حقًا أن تفوت فرصة حضور حفلة أو تذهب مع أسرتك للعشاء ثم تتحفظ في انتقاء الطعام؟
13- النظم الغذائية في حالة كون المراهق فتاة يمكن أن يؤدي إلى عسر الطمث، ففقد الكثير من الوزن يمكن أن يعوق أو يوقف دورة الحيض المعتادة، وقد يظن أن هذا شيء جيد، لكنه يمكن أن يسبب كل أنواع المشاكل الصحية الآن وعندما يتقدم السن.
14 – النظم الغذائية يمكن أن تقلل من تقديرك لنفسك، فطالما كان التزام هذه النظم ليس هو السبيل لكي تصبح موفور الصحة وذا لياقة، كما أنه ليس مفيدًا، فمن الصعب أن ينتابك شعور طيب تجاه نفسك.
15 – النظم الغذائية يمكن أن تعوق نموك، فجسدك يحتاج لكثير من الفيتامينات، والمعادن، والسعرات، لتنمو بشكل سليم، وعدم الحصول على ما يكفي يعني عظامًا أضعف، وعضلات أصغر، وفي حالة المراهق الفتاة عسر الطمث.

وبسبب الاعتقاد السائد بين نسبة كبيرة من شرائح المجتمع بأن الرشاقة من أهم سمات الجمال، لذا تلهث الفتيات، وتنفق الكثير من المال مقابل كل ما تعتقد أنه سيؤدي لرشاقتها غير مبالية بطريقة تحقيق ذلك صحيحة أو خاطئة علمية أو شعبية.

قبل خمسين عاماً فقط، كانت أغلبية الناس في ذلك الزمن نحفاء لأنهم – ببساطة – لم يكن لديهم وسائل مواصلات حديثة، ولم يكن أمامهم – وقسْراً – سوى المشي وقضاء مصالحهم على أرجلهم، وكان ذلك يحرق كل ما ينزل إلى جوفهم من طعام، وأيضاً كانت الأحوال بسيطة، ولذا لم يكن بمقدور الكثرة من الناس تناول اللحوم بأصنافها الحمراء والبيضاء تؤكل مرة في الأسبوع لمن هم أسعد حظاً، وكل أسبوعين أو كل شهر للغالبية من المستورين.

صورة المرأة الملفوفة الممتلئة، كانت حلم غالبية النساء اللاتي كن يصنفن ضمن ما يطلق عليهن العامية “مسلولة” نسبة إلى من أنهكها السل وأكل لحمها.

وكان الرجال لا يزالون يحبون المرأة الممتلئة، فقد كانت البدينة “الملظلظة” تقف في مكانة سامية في خيال الرجال، فهي ابنة العز الطرية.

أين نحن من تلك الأيام التي كانت النحافة عيباً والسمنة عنواناً للنعمة والثراء؟ لقد دار الزمن دورته وبعد أن كان كثيراً من أسباب الأمراض الجوع وعدم تكامل الغذاء وكفايته، أصبحت غالبية أمراض العصر كثرة الطعام وتنوعه والإغراق فيه.

وأخيراً، ما يهمنا هنا التأكيد على أهمية وجود كل العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، فالله سبحانه وتعالى لم يسخرها لنا عبثاً، وطالما أن الإنسان لا يشتكي من أي مشكلات صحية تحول دونه ودون تناول أحدها، فلا داعي لنزعها فهو موجود بنسبة جيدة ومقبولة صحياً إذا أخذ ضمن غذاء متوازن.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي