شهد منتدى الخط الثقافي عرسًا ثقافيًا من خلال توقيع جماعي لخمسة دواوين شعرية، حيث طرز خمسة شعراء أبجديتهم، إذ عزفت موسيقاهم على أنغام الوتر كهطول المطر، لتنهمر مشاعرهم بين الشّعر العاطفي والاجتماعي، عبر إلقاء القصائد التي ترفل بالعشق والخيبات، لتدهش آذان السامعين، وتلامس شغاف قلوبهم.
جاء ذلك في أمسية شعرية بعنوان “القطيف تتنفس شعرًا”، تخللتها رؤية نقدية لبعض النُّقاد، والتي أدارها الشَّاعر علي مكي الشَّيخ في بهو منتدى الخط الثَّقافي بحي الحسين بالقطيف، وذلك مساء الخميس 25 من نوفمبر 2021م، مقدمًا لها كل من النَّقاد محمد الحميدي، والسَّيد محمد الخباز، ومحمد آل قرين، وجمال الناصر، وفريد النّمر، أوراقًا نقدية.
وشارك في التَّوقيع على الدواوين الجديدة للشعراء حبيب المعاتيق، بديوان “معلقون على الأحداق”، وعلي الناصر بديوان “ما يشبه النّسيان”، وحسين آل عمار بديوان “ما أعتقه يد البنفسج”، والشَّاعرة فاطمة الدّبيس بديوان “حزنائيل”، وأحمد الرويعي بديوان “المنايا لا تكف عن الضبح”.
وذكر النَّاقد فريد النمر أنَّ تعدد مناخات النُّصوص في ديوان “ما أعتقته يد البنفسج”، للشَّاعر حسين علي آل عمار، الصَّادر عن دار الانتشار العربي، مطبوعات النادي الأدبي بالحدود الشَّمالية، عام 2020م، الذي جاء في 235 صفحة، بنُصوصه 50 نصًا، يحكي أصالة اللغة وفنيتها وصخب المعنى.
وأوضح أنَّ نصوص “آل عمار”، متمايزة في نضجها وحسها ولغتها وأيدولوجيتها وتوجيه بوصلة الاهتمام لأجودها والأكثر إبداعًا بينها، مناديًا بقراءة الديوان بكونه وكيانه ومرحلته الكتابية كلغة مغلفة بالجمال الشّعري، بعيدًا عن الأيدلوجيا التي قد تقودنا لمتاهة لا نريدها فيه.
ونوه إلى أن الشَّاعر يحيلنا لتحرر ما أعتقته هذه اليد القانية، حد الحُمرة الدَّاكنة الملونة لروح الشّعرية الهائلة البنفسجية التَّدفق في تصويرها شيء كتخثر الدم، والأقحوان، والورد والموت، والجرح، والألم، لتأتي سيمائية العنوان متوحدة في توزيع اللون على صفحة البياض المُتحررة من الخوف أو الموت أو الهلع أو الحب أو أي شيء يصيبنا بالنزعة نحو هذا التَّحرر والانعتاق.
وبين أن فلسفة اللغة في ذاتها على مدى التَّفكير البشري الباني للرموز اللغوية التي يستطيع العقل تحويلها وتشكيلها وتداولها في النَّص الشّعري على هيئة رغبة جامحة نحو التَّمثل كشاهد لغوي مرتبط بنواة الفكرة المُحفزة وصيرورة الحس المضيء لها.
وأشار إلى أنَّ هذا التَّحول الذهني الحسي يبني وجدانه النَّصي على مفارقة التشكيل والإحالة والتَّركيب التَّصويري المُعتمد على بناء رمزيته وتحويلها لنص حسي يرتقي من التَّأليف الذهني الفاقع إلى التَّشكيل الحسي في شاعرية الجملة.
وأكَّد أن النُّصوص جلها تفاجآنا بدواخلها الكثيرة ببعض انفلاتها في ديناميكية تشعر المُثقف الشّعري بإقلاب المعنى، وكأنَّ النُّصوص مفترقة لفرقتين بعضها مرتبط بالمكان والزمان معًا، وبعضها مرتبط بالأنا المُنشغلة بوجودها الخاص، المُتشعب بين أغاني الموت والرحيل والمنافي وبين أغاني البقاء والحب والوطن في تجرد عن الذات وأشيائها المُوحشة.
وقال: “استطاع “آل عمار” بعث الرؤية من رماد الألم والخيبة والدم كعنصر يؤدي للسَّلبية في النَّص وغرسها في مصافحة ومصالحة حياتية أعشبت نصوصًا صاخبة وهائلة في معناها ومبناها الذي راهن عليه رغم كل كلمات الغيظ المُنتشرة بين النُّصوص”.
وأضاف أنَّ ذلك يكشف عن نوعية من الشُّعراء النبوئيين، إن صح التعبير، والذين يطعمون الخطيئة أرواحهم لينتصر لكيان بياض القصيدة في ترتيب العالم المُرتبك بخارطة القهر والفقر والحرب والألم من خلال تبنيه لحراسة الشّعر في موقفه خبرة الشَّاعر وثقافة النَّص المشتعلة لديه.
وجاء عنوان قراءة الإعلامي والنَّاقد جمال الناصر على باكورة أعمال الشَّاعرة فاطمة الدّبيس “حزنائيل”، الذي بزغ عن دار “بين النّجوم” بجدة في 336 صفحة من الحجم المُتوسط، محتضنًا بين أوراقه 74 نصًا، تأتي خليطًا بين الشّعر العمودي والتَّفعيلة، والكتابة النّثرية الوجدانية، إضافة إلى الأبجدية القصصية بعنوان “ما بين مسافات “حزنائيل”، عنفوان دهشة السؤال”، متسائًلا: “هل ثمة حدود للحب؟”، ليُجيب بأنَّ الحالة الكتابية، وإن اختلفت في طرحها، يأتي الحُب، البوصلة التي تحرك أصابعها، لتُعانق نبضاتها أفكار الشَّاعر وراءه.
وبين أنَّ الحالة العُشقية في “حزنائيل” لا تحدها المسافات، منطلقًا باتساع الأفق عرضًا وطولًا، وهذا ما أوجزته الشَّاعرة في “ذكريات امرأة مبعثرة”.
وتابع: “هي تتخذ من الحُب المُحرك الأساس لكل الفعل الكتابي، البوح الذي يعتريها، لتُسقطه في قالب الأبجدية، بكونها تُمارسه كحالة شمولية، لا تتعلق برجل فقط، ولكن تتعداه إلى الزمانكية والماورائيات”.
ولفت إلى أن أن “الدّبيس”، تمتلك تقنية “القُدرة” في تنوع الدّلالة، لتجعل المُفردة حُبلى بالمعنى الطَّريَّ في الّلحظة، التي تُريد، كأنَّها وقعت معها عقدًا، لتستجيب لها، كُلَّما أرادت، وهذا يتضح جليًا في بوحها، أكان شعرًا عمُوديًا، أم تفعيلة، أم نثرًا، لتُغرق القارئ أكثر في الصُور الشّعرية.
وأشار إلى أنها مشغولة بالأسئلة، تُدخلنا في متاهاتها، وتفتح النَّافذة، لا لتُقدم إجابات، لأنَّها تشي بما يُشبهها، وتقحمنا في الاحتمالات، التي قد تكون الأجوبة، وقد تكون سؤالًا تلبسه فستانًا من الأجوبة، تمويهًا، تستلطفه تاء التَّأنيث، الغريقة في الشيء، من خلال اللا شيء، في توظيف لغوي، ينتج ابتكاراته المعنى.
ونوه إلى أن “الدّبيس” أرادت لنا أن ننطلق، لنقرأ الحُزن الذي تنتحب على وسادة مُفرداته، بحثًا عن آدمها، عتابًا ضمنيًا إليه، أو تصريحًا، يأتي على شكل ألم، أو شوق له وخزاته، لتجد في وجوده حياة، وفي بُعده “موتان”، موت لضعف جسدها، الذي يُخلفه الشُّوق، وموت آخر يأتي بافتقاد نسيم العشق، بافتقاد رغوة العينين في أنثى تلمع عينيها كُلَّلما أبصرته، وكُلَّما أحست بطيفه ونبضاته تتسرب إلى قرطاسها، لتكتبه.
واختتم ورقته بأنَّ “حُزنائيل”، من المُحزن جدًا تناوله كجزئية، لكونه يحتوى على أشياء كثيرة تستحق أن تُوضع تحت المجهر.
وقال: “برأيي المُتواضع، لو أنَّ الشَّاعرة فاطمة الدّبيس، تكتفي بهذا الإصدار، لكفاها، فقد أتقنت تاء التَّأنيث البوح، لتكتب لنا المُفارقة الجدلية، التي مفادها: ثمَّة شاعر، وشاعر فنان، وما بينهما يطُول الحديث”.
فيما ذكر النَّاقد محمد الحميدي أن ديوان علي الناصر “ما يشبه النسيان”، الذي صدر عن دار “سطور” لمطبوعات نادي المدينة المنورة الأدبي، في 127 صفحة من الحجم الصغير، عبارة عن تجربة وجدانية وجودية، حيث يسبر أغوار الذات، وقال: “فقد أجاد اقتناصها وعرضها في تجربته، من الذات الفردية الوجدانية”.
ونوه إلى انطلاقته إلى فضاء أرحب، هو فضاء التَّجربة الوجودية، متسائلاً: “ماذا تغيَّر فيَّ”؟، وهو سؤال يستدعي الإجابة، إلا أنَّ الذات الفردية لا يمكن لها أن ترى ما يحصل داخلها، ولذا أزاحها جانبًا، ولأجل اكتمال رؤيته وتجربته كان لا بد أن يخترع شخصًا آخر ينتزعه من ذاته الحقيقية، فحضر الشبيه، أو الذات المُزيفة، أو النّسخة الشبيهة بالأصل.
وأوضح أنَّ مهمة الآخر المُزيف؛ هي رؤية الحقيقة الدَّاخلية كما هي دون رتوش، إذ السُّؤال العابر للديوان، والمُتسائل عن التَّغيير؛ هو موضوعها ومهمتها، ولذا سيكون من الطبيعي أن يختفي الآخر المُزيف، بعد الحُصول على الإجابات.
واختُتمت الأمسية، بتكريم الشُعراء، والنُّقاد المُشاركين، لتنتهي بتوقيع الشُعراء دواوينهم للحُضور.