فَاتـِنـَةُ الوُجُود

أحيَاكِ فاتنةَ الوُجُودِ جميلةً
والكونُ يقرأُ حُسنَكِ المنضودا
سبحانَ مِنْ سَوَّاكِ تُحفةَ عاشِقٍ
يرنو إليكِ صَبَابَةً وقَصيدا
تسلُو بهِ الأشواقُ مَنْ يسلُو بها
بِغِنَاءِ رُوحِ قدَّسَ المَعبُودا
ما زالَ نثركِ في (البيانِ) قلادةً
لَبسَ الزَّمانُ جُمانَها معمُودا
وأرى قِوامَ الفَنِّ يفخرُ هائماً
بسنا رُؤاكِ مُدلَّهاً مشدودا
وزها برقصتهِ اللعوبِ تغنُّجاً
مُذْ كانَ عِطركِ في الرّحابِ شريدا
تمشينَ و الدَّنيا صَداكِ مُنغَّماً
واللَّحنُ يُغري أبطُحاً ونُجودا
يدنو البعيدُ إلى ذُراكِ مُباهياً
إذْ يجتَبيكِ إلى عُلاهُ وُجودا
وجنَى القريبُ علَى شذَاكِ بجهلهِ
حتّى استطابَ مِنَ الطُّغاةِ قيودا
عمدُوا لهجركِ بالهجينِ غِوايةً
أو بالتَّغرُّبِ عُزلَةً و جُمودا
قد كنتِ في الماضيْ جيوشَ تقدُّمٍ
تَبنينَ مجداً بالإباءِ مَشيدا
أَولَيتِ عَزْمَ الأوّلِينَ رعَايةً
وصدَحتِ بالأُفُقِ البَعيدِ نشيدا
وملأتِ أسفارَ النّماءِ بحكمةٍ
هِيَ كالشموسِ حضارةً و بُنودا
في كُلِّ عِلمٍ قد سَرَحتِ أصالَةً
بِصهيلِ خيلٍ إذْ أبَينَ رُكودا
وبيارقُ الفَتحِ المُبينِ تعانقَتْ
والنَّصرُ يشمخُ يستثيرُ الصِّيدا
واستأسَدَ البّاغي عليكِ بهجمةٍ
لَكِنَّ رحبَكِ يستنيرُ أُسودا
وكِتابُ ربّ الكائناتِ – وقدْ زَهَا
بَحرَاً – أمَدَّكِ بالجَمَالِ عُهُودا
وحديثُ خيرِ المرسلينَ مُحمدٍ
أسدَاكِ جُوداً هائلاً محمودا
هوَ خيرُ مَنْ نطقَتْ بهِ ضَادُ النُّهَى،
فخُرتْ قُرَيشٌ شاهِداً وشَهيدا
وهوَ (الفصاحةُ) قدْ حبتْهُ قِيادَها،
تُهدِي السماءُ لِظِلِّهِ التَّأييدا
نهجُ الكِفاحِ ولا مثيل يصدُّهُ
ويردُّ كيداً عاتياً نمرودا
والشّعرُ في المِضمارِ ثروةُ فارسٍ
مُنذُ (امرئ القيسِ) استطالَ مديدا
وحفظتِ أيّامًا كداحِسَ في الوغى
وكذلكَ الغبراءُ رُحْنَ صَعودا
ومواعظُ الأعمارِ تزرعُ في النُّهى
حِكَمًا تُعيدُ إلى الحَياةِ (لَبِيدَا)
ومُعلّقاتٍ قدْ علَقْنَ بِخَاطرٍ
زَيَّنَ مِنْ جَسَدِ الخُلودِ الجِيدا
هذا هُو الأدَبُ الرّفيعُ كأنهرٍ
رقراقةٍ، والعذبُ سالَ فريدا
يسقِي الظُّماةَ عُرُوبةً وأُرومَةً
ومُروءَةً وشهَامةً وصُمودا
شهْدُ الزهورِ بِكلِّ حقلٍ واسعٍ
مِنْ سِربِ نَحلِكِ أودعتْهُ بَريدا
وبصائرُ الأيّامِ أقوامٌ هُدُوا
للصَّالحاتِ وقدْ زحمْنَ البِيدا
كانوا وكانتْ دولةً سُمَّارُها
طلبُوا المَعارِجَ للسّماءِ وفُودا
وبمكتباتِ الأرضِ سيلٌ جارفٌ
في كُلِّ وادٍ يستحثُّ رُعودا
ورُكامُ غيمٍ في سماءِ قصائدٍ
والقَطرُ يُنعِشُ ظامئاً مَوءودا
(مُتنبئُ) الضَّادِ استزادَ مكانةً
حيثُ المعانِيْ تتخذْهُ عَمِيدا
قدْ أعجزَ الدُّنيا بِسِحرِ (بلاغةٍ)
للآنَ يسرِي في العروقِ مَجيدا
وقَرائحُ الأُدَبَاءِ تاريخٌ عَلا
نحوَ السّمَاكِ وقدْ رفضنَ حُدُودا
مزجوا الحقيقةَ بالخيالِ كخمرةٍ
صهباءِ تُسكِرُ عاقلاً ورشيدا
و(جَوَاهِريٌّ) في العِراقِ عِرَاقُهُ الـــــ
أُخرَى دواوينٌ سَطَعنَ شُهودا
وإذا بقاموسِ اللُّغاتِ مُحيطُهُ
يحدو اللسانَ يَحثُّهُ تولِيدا
و(الاشتِقاقُ) مِنَ الفرائدِ دانَةٌ
فيها البَهاءُ يمدُّنا تجديدا
و(النحوُ) يسمُو بالمعاييرِ التي
تُعلِي المقالَ، تُزينُهُ تنضيدا
و(الصّرفُ) والمِقياسُ دِقَّةُ واضِعٍ
في بِنْيةِ الكَلِماتِ جاءَ سَديدا
وكذلك (الإملاءُ) أحكامٌ أتتْ
في حُسْنِ شكلٍ للكلامِ أُريدا
و(الخَطُّ) زخرفَهُ البَنَانُ بأسطُرٍ
بَاهَى الحِسَانَ نضارةً وقُدودا
وفطاحِلٌ قدْ أبدعوا في حفظها
والدّهرُ يسردُ ذلكَ المجهودا
هِيَ هذهِ لُغةُ المحجّةِ قِمَّةٌ
إمَّا أرادُوا نهضةً وصُعودا
تُحييْ مَوَاتَ الأرضِ، ترفعُ قدرَها،
وتصدُّ مِنْ هِمَمِ السُّمُوِّ حَقودا
وتعيدُ للأجيالِ مجدَ تنوّرٍ
بمبادئٍ لا تقبل التقييدا
يا قومُ هُبُّوا واحفظوا نِبراسَكُمْ
بلسانِ صدقٍ فتَّتَ الجُلمُودا
لغةُ الكِتابِ، وجنَّةٌ أثمارُها
أنَّى اقتطفتَ تُنيلُكَ المقصودا
وَفَدَ الفَخَارُ إلى نَدَاهَا شاكراً
وأتَى الملائكُ رُكَّعاً وسُجودا
عربَيّةُ الإيقاعِ سهلٌ مَتنُها
ورشيقةٌ سبَتِ الحِسانَ الغِيدا
الدّينُ والدُّنيا لديكِ رسالةٌ
عظمَى، غَدَوتِ لفَوزِنا إقليدا
وعقيلُ مِسْكٍ قدْ رَآكِ خريدةً
عصماءَ تزهو مِشيةً وخُدودا



error: المحتوي محمي