في خضم معمعة المشاكل والخلافات المتكررة بين الزوجين يزداد الحمل عليهما فلا يقويان على إعادة الاستقرار والهدوء لعلاقتهما بسهولة، بل قد يجرفهما تيار المشادات والاحتكاكات شبه اليومية إلى استساغة المشاحنات والتمترس خلف أساليب الصراخ وتقاذف الاتهامات، ولو حانت من أحدهما أو كليهما لحظة هدوء أو استراحة محارب للتفكر حول الوضع المتدهور لعلاقتهما بعد أن كانت لها بدايتها الجميلة، لحار في الجواب وبعد صمت رهيب بحثاً عن سبب معين، فيبدو حينها وكأنه يبحث عن إبرة في كومة قش.
لأرجع الأمر إلى عامل القسمة والنصيب وأنه لم يكن له الخيار في تجنب هذا المسار المر من علاقة قد مزقتها الخلافات، ومما يزيد من حيرته ويبعث على دهشته مما وصلت إليه علاقتهما من تهر وضعف فهو خفاء عامل التراكم السلبي والذي يعني توالي المشكلات وسوء التفاهم دون التوصل فيها لحلول ممكنة ومرضية من الطرفين، بل كان أسلوب التهرب من المسؤولية بعداً عن الانزعاج ووجع الرأس – بنظرهما – بالبحث عن مخارج، فكانت النتيجة هي خلق فجوة في الثقة والتفاهم بينهما وجفوة في المشاعر العاطفية مما يزيد الأمور تعقيداً وتأزيماً.
المسألة ليست راجعة للقسمة والنصيب بمفهوم الشمعدان الذي نعلق عليه تقصيرنا وأخطاءنا، بل يتعلق أولاً بثقافة العلاقة الزوجية المشتركة التي تحمل معاني التفاهم والحوار وتبادل المشاعر الصادقة، مما يساعدهما على تجاوز الخلافات بأقل الأضرار، إذ إن الزوجين إذا ابتعدا عن العناد والكيدية والنظر للآخر بمشاعر سلبية، فبالتأكيد سيبحثان عما يرجم الهوة بينهما ويخرجهما من عنق الزجاجة التي حشرا فيها.
والأمر الآخر هو حسن اختيار شريك الحياة بناءً على أسس تحقق التفاهم والانسجام بينهما، فالشاب إن لم يضع في مخيلته تلك الصورة التي تكون عليها زوجته المستقبلية بنحو يحقق الأنس والمودة والراحة النفسية له، فستظهر مستقبلاً مشاكل مردها إلى التنافر واختلاف طريقة التفكير والمواصفات الأخلاقية المحققة للجاذبية والمحبة، فللأسف نهتم كثيراً بالرؤية الشرعية المقتصرة على الشكل الخارجي وإن كان أمراً مهماً، ولكن ما يحقق المودة مجموعة عوامل تضاف للجوانب الجمالية وهو أسلوب التفكير والتعامل والصفات الأخلاقية، وكذلك تلك الفتاة التي لا تضع لشريك الحياة إطاراً يحدد مواصفاته فإنها ستكون مستقبلاً عرضة لمشاكل كانت في غنى عنها لو أحسنت الاختيار، ولهذا لا بد لنا من إكمال الأضلاع الأخرى للرؤية الشرعية وهي تفحص طريقة تفكير الآخر وسؤاله عما يدور في الذهن من تساؤلات وتخوفات حتى تزول غمامة الجهالة بمواصفاته وتتشكل صورة واضحة عنه.
وهذا لا يعني أن مراعاة عامل التربية والثقافة الزوجية وعامل حسن الاختيار سيحقق بنحو تام الخلو من الخلافات والمشاكل، ولكن تلك العوامل ستكون المجاديف التي من خلالها يبحر الزوجان في وسط بحر الحياة الهائج بالظروف الصعبة والأزمات المتعددة، من خلال تفكير سليم ووجدان متزن يراعي ظروف الآخر ويسعى كل طرف لسد هوة الخلافات ومعالجتها بنحو حكيم.
بعض الشباب والفتيات يقع ضحية الآمال الحالمة والمخيلة التي تطير في فضاء شريك الحياة وتهيم في المثالية، بتصور وجود علاقة زوجية خالية من أي نوع من الاحتكاكات والتقصير وسوء الفهم، فتصوره للحياة الزوجية يكون ببعدها المادي المتمثل بالتنزهات والمطاعم وتبادل الرسائل العاطفية (الرومانسية)، حتى يصطدم بأرض الواقع ويفيق من صدمته الاسترخائية ويجابه واقعاً مختلفاً، إنه واقع المسؤولية والتخطيط والعمل على إسعاد الآخر والصبر والتفاهم، فندب الحظوظ عند مواجهة المشاكل ليس صحيحاً بل يدل على الضعف النفسي عند الفرد وفقدانه لأدبيات الحوار ومناقشة المشكلة بهدوء بعيداً عن التشنج والصراخ أو الصمت المطبق.
الأجواء الزوجية المتسمة بالهدوء والاستقرار وراحة البال صناعة قرار اتخذه زوجان متفاهمان، لم يخضعا لأحلامهما الوردية لوحدها بل تعاملا مع الحياة بواقعية وعمل مشترك.