الوثائق التي نشرت في الإعلام، حول الاتفاق بين دولة قطر من جهة، والدول الخليجية التي قطعت العلاقات معها العام 2013، تركز على نقاط أساسية، تتمحور جميعها حول موضوع “أمن واستقرار الخليج”، ومنع حدوث أي اضطرابات سياسية وأمنية من شأنها أن تخلخل البنى التي تقوم عليها الأنظمة.
بعد أحداث الربيع العربي العام 2011، وما تلاها من نزاعات أهلية مسلحة في سورية وليبيا واليمن، أصبح هنالك “حزام من نار” يحيط بدول الخليج. فالعراق ومنذ سقوط نظام صدام حسين يعيش في صراع يومي مع “الإرهاب”، والنظامان المصري والتونسي ورغم الاستقرار النسبي الذي أعقب ثورتين شعبيتين، مازالا يعانيان على المستوى الأمني والاقتصادي. أضف لذلك وجود جار كبير هو إيران يسود التوتر وعدم الثقة علاقاته مع جيرانه، هذا فضلا عن المشكلة الفلسطينية التي وإن تراجعت كأولية لدى الكثيرين، إلا أنه تبقى أزمة حقيقة وفعلية لم تجد سبيلا للحل، وسط مفاوضات مجمدة ومتعثرة، وقيادة فلسطينة منقسمة، وتعنت إسرائيلي صلف!.
منطقة الخليج بقيت هي وبعض الدول في شمال إفريقيا، هي الأكثر استقرارا عربيا، رغم بعض الاضرابات السياسية أو الهجمات الإرهابية من قبل المجموعات الأصولية. ولذا أصبح هنالك قلق حقيقي لدى الأنظمة والمجتمعات الخليجية من أن يصبح هنالك حال من التراخي تقود إلى وضع غير مستقر يفتح أمام الجميع أبواب الجحيم.
الدوحة من حقها أن تقول إنها تدعم التغيير والإصلاح في الوطن العربي، وتساعد على التحول إلى الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتكفل حرية الصحافة والتعبير. وجميعها مبادئ عالمية، لا يمكن أن يجادل في صدقيتها أحد. إلا أن المشكلة أن هذه المبادئ تستخدمها قطر كمجرد شعارات في صراعاتها السياسية والعقائدية مع الخصوم.
ببساطة، كيف لدولة أن تدعي أنها تسعى لأن تشيع ثقافة الحرية وحاكمية الشعب، فيما هي تفتقر إلى مؤسسات المجتمع المدني، وليس بها هيئات نقابية فاعلة، ولا مجلس نيابي منتخب كامل الصلاحية، ولا تداول للسلطة. وهي في ذات الوقت تفتقر إلى الصحافة المستقلة التي تشكل “سلطة رابعة”!.
ببساطة فإن قطر هي مجرد دولة أحادية النزعة، عالمثالثية، تدار بمنطق لا يمت لمفهوم الدولة المدنية الحديثة بصلة. ولذا، لا يحق لها أخلاقيا، ولا موضوعيا، أن تعطي الدروس إلى الآخرين، فيما هي تمارس عكس ما تبشر به.
أمن واستقرار الخليج، مطلب لن تتنازل عنه الدول المقاطعة لقطر. وهو مطلب تتمسك به شعوب المنطقة، لضمان مستقبلها. ويبقى الأهم أن يكون ذلك مدخلا للتخلص من الفكر الأصولي والإرهاب، والبدء في عملية إصلاح وتنمية شاملة، تبنى من خلالها الدولة المدنية الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة وسيادة القانون.