بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتًا وَساءَ سَبِيلًا} [النساء: 22].
الآياتُ الشريفةُ الآتية تبيّن حكمًا آخر ـ من الأحكام الاجتماعيّة ـ الذي له الأهميّة العظمى في الأديان الإلهيّة، لا سيما شريعة الإسلام، وتحدّد مسؤولية الفرد تجاه التزاوج والنسل، وتبيّن النكاح المحلّل الصحيح عن النكاح المحرّم الفاسد؛ تهذيبًا للشهوة العارمة وجعلها في المسار الصحيح، لئلّا تتولّد الفاحشة ـ بعدما أذِنَ الشرعُ المبينُ في نكاح ما طاب من النساء، فكان لا بد من بيان جوانب موضوع هذا الحكم المهم.
وقد حدّدت الآياتُ المباركة ما يحرُم من النكاح من النساء بعد بيان كيفيّة المعاشرة مع الأزواج في الآية السابقة.
والمراد من النكاح المنهي عنه في الآية الشريفة، ما ضمّه الأب إليه من النساء بالعقد أو الوطء، فيشمل المعقود عليها بالعقد الصحيح، والموطوءة بالملك، والموطوءة بالسفاح، ويدلّ على ذلك الإجماع والأخبار المستفيضة.
والمرادُ بالآباء: كلّ من صَدَقَ عليه الأب من ناحية الأب أو الأُم، فيدخل فيه أجدادُ الأب وأجدادُ الأُم وإن عَلوا، ويدلّ عليه ظاهرُ اللفظ وبعضُ الأخبار.
قوله تعالى: {إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} أي: إلّا ما وقع من هذه العلقة في السلف ـ يعني: في الجاهلية ـ قبل ورود النهي، فانقضت بموتٍ أو طلاقٍ، فلا يتناول ما يتجدّد في المستقبل. والآيةُ الشريفةُ تدلُّ على المبالغة في النهي والشدّة في التنزّه عن هذه الفاحشة، وسدّ باب إباحتها حدوثًا وبقاءً٠
قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتًا} تقدّم معنى الفاحشة، والمقتُ: البغض، أي أن نكاحَ حلائل الآباء من الفاحشة التي حكمت الفطرةُ بقُبحِها، وأنّها مبغوضة عند أرباب العقول وذوي المروءات.
قوله تعالى: {وَساءَ سَبِيلًا} أي: بئس السبيل والطريق في النكاح الذي يقيمُ النسلَ ويجلبُ السعادة، وقد ذمّ تعالى هذا السبيل مبالغة في ذمّ سالكِهِ، فلا بد من اتباع السبيل الذي حدّده عز وجل، والبُعد عمّا نهى عنه.
وقد تتابع الذمّ على هذا الفعل الشنيع؛ لبيان أنّه بلغ الغاية في القُبح؛ ولذا أفرد عز وجل هذا النكاح بالذِكر عن غيره من الأفراد التي سيذكرها.
المصدر: مواهب الرحمن في تفسير القرآن للسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري قدس سره الشريف.