لا تكافئوا جمال ممر السعادة بالإهمال

يعتبر “ممر السعادة” في جزيرة تاروت صرحًا فنيًا فريداً من نوعه بين الممرات، لأنه يحتوي على العديد من الشتلات والتحف الفنية القديمة والزخارف الديكورية، وقد جمع الممر العديد من الأفكار الفنية التي أبرزها الفنان الشاب محمد عبدالغني، والكثير منها كانت موجودة في حقبة زمنية مرت على البلاد.

تجربتي الشخصية مع “ممر السعادة” عندما زرته ذات مرة مع أخي ورفيق الدرب “هاني المشور” أبا أحمد وبعض الأصدقاء، بعدها تعددت الزيارات إلى أن أصبحت شبه يومية، وكنت أشعر بالراحة والهدوء حينما أكثر النظر إلى بعض الصور القديمة لجزيرة تاروت، وقراءة ذلك التاريخ العريق الموثق بالصور التاريخية القديمة للجزيرة، داخل المجلس الذي يضم بين جدرانه مختلف التحف والقطع الأثرية التي كانت تستخدم في الماضي الجميل.

في الماضي الجميل لم نشعر بالضيق من وجود “الزرانيق” التي هي عبارة عن ممرات صفيرة بين بيوتنا، حيث كنا نستمتع بالجلوس واللعب بين جدرانها التي تحجب أشعة الشمس الحارقة في أيام الصيف الحارة، ولم نفكر يومًا أن تكون تلك الممرات الضيقة وسيلة لجذب الزائرين، عندما تضاف لها اللمسات الفنية المطلوبة لتظهرها بشكل لائق، فيها العديد من الأفكار الجذابة التي يمكن أن تقوي من جمال المكان، وتجعل الزائرين لها لا يشعرون بالضيق بل أكثر سعادة عند مشاهدة التنسيق المثالي كالذي يحتويه ممر السعادة.

كوننا نعشق الأماكن الطبيعية والتاريخية، فهي تعود بنا إلى مرابع الطفولة والصبا في حَيِّنَا الشعبي “الحوامي”، الذي رأينا فيه جمال البساتين والمزارع المحيطة به، والتي كانت تكثر فيها النخيل الباسقات وأشجار اللوز والتين وغيرها، فهي كانت حاضنة لنا في الزمن الماضي، وأنا بطبيعتي أحب تلك الأماكن خاصة تلك التي ترتبط بطفولتنا مع رفقاء الدرب من الأصدقاء والأحبة، رحم الله من غادرونا منهم دون رجعة وأطال في أعمار الباقين.

الإبداع في “ممر السعادة” يستحق الدعم للفنان “محمد عبد الغني” الذي بذل جهدًا فرديًا موجهاً نحو تجميل الممر بدرجة كبيرة من الخارج، وقد كرس الشاب جميع إمكانياته لتزيين الممر، فقام بعمل نافورات ووضع تحفًا فنية وأسقف مستعارة من الخشب بين جدرانه وتزيينها بمختلف الشتلات الزراعية لتعطي جمالًا للمكان، وبعد أن برزت فكرة ترتيب الممر وتزيينه هرول الكثير من عشاق فلاشات الكاميرات إلى أخذ الصور وعمل اللقاءات مع بعض رجال المنطقة والفنانين والفنانات، وهذه اللقاءات لم تكن بالطبع لدعم ومساعدة القائمين على الممر، وإنما كانت من أجل نشرها عبر وسائل التواصل وربما كانت من أجل الشهرة.

تُساهم المساحات الخضراء سواء أكانت حدائق للتنزه أو أشجاراً في الطريق في تقليل الإجهاد وأثر ضغوط الحياة على الإنسان، كما تلعب المساحات الخضراء دوراً كبيراً في تحسين صحة الأفراد في المجتمع، وإن ممرات منازلنا يجب ألا نهمل تزيينها بل ينبغي علينا الاهتمام بها، وبإضافة بعض الأفكار واللمسات البسيطة يمكنك تنظيم ممر جميل وأنيق، فالممر المؤدي إلى بيتك هو أول ما يراه الضيوف عند زيارتهم للمكان.

هناك الكثير من الممرات والزرانيق مرتبطة مع ممر السعادة لكنها للأسف مهملة! تراها عندما تعتلي البلدة القديمة في جزيرة تاروت “الديرة” حيث تمر بين أزقتها فتعجبك بيوتها الطينية بأبوابها القديمة التي ما أن تفتحها إلا وتمر من تحت أقواسها المائلة فتمشي على درب الآلام فيها! وترفع عينيك لترى كسرات الشرفات والأقواس والزخارف الجميلة لحضارة عريقة للأسف تكافأ بالإهمال والهجران!

وفي الختام لابد للمهتمين بالتراث في وزارة السياحة والتراث الوطني أن تكافئ وتدعم ماديًا ومعنويًا الكوادر الوطنية المبدعة بالتراث الوطني للمملكة العربية السعودية، ليستمر إبداعها بالمحافظة على تراثنا الوطني وإظهاره لتعريف الأجيال القادمة عليه.



error: المحتوي محمي