قبل عشرة أيام تقريبًا كان اسم خالد علي صالح المشقاب مصطفًا بين 412 اسمًا منحوا وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة، لتظهر على السطح قصةً جديدة من قصص الإيثار والتضحية، بعد أن تبرع بكليته لأخيه.
قد تبدو قصةً شبه اعتيادية في مجتمعنا، سيما في السنوات الأخيرة التي سجلت عددًا لا يستهان به من حالات التبرع لأحد الأقارب، إلا أن حكاية المشقاب تحمل جانبًا آخر غير اعتيادي؛ فهو قد تبرع بكلية واحدة لينقذ حياة أخيه وابنه، فـ”منير” لم يكن مجرد أخ أصغر، إنما هو بمثابة الابن بالنسبة لـ”خالد”.
سكري الأطفال
بعد وفاة والدهما تعامل خالد مع أصغر أخوته “منير” كأنه ابنه، وليس فقط كأخ أصغر، فكان يوليه رعايته واهتمامه.
وعندما بلغ الأخ الأصغر الـ6 أعوام من عمره تقريبًا، فاجأهم مرض السكري بغزوه جسد ذلك الصغير، ليعيش معاناة متعبة بالنسبة لطفل مع ذلك المرض، فطفولته أصبحت مقيدةً بمرضه وتملكهم الخوف عليه من مضاعفاته.
غيبوبة تستفيق على فشل
مرت السنوات ومنير بدأ التعايش مع مرضه، حتى تاريخ 9 محرم 1441هـ، حين دخل في غيبوبة استمرت 3 أسابيع، ليفيق بعدها على وجع جديد.
يقول خالد المشقاب: “بعد أن أفاق أخي من الغيبوبة، كانت الكلى قد تأثرت، وأصبح الفشل الكلوي لديه في المرحلة الثانية، وخلال أشهر قليلة أصبح في المرحلة الخامسة؛ ما جعله يحتاج للغسيل الدموي، وبعد شهرين أجريت له عملية من أجل الغسيل البروتيني، وبدأ يغسل في المنزل”.
قرار اللحظة
هنا تحركت مشاعر الأخ والأب في وقت واحد، فمنير شاب في مقتبل العمر، حيث إن عمره حينها لم يتجاوز الـ23 عامًا، لذلك فلم يرغب خالد أن يترك أخاه مقيدًا بقيود الغسيل الكلوي وألمه، ففكر في أن ينهي ذلك كله بواحدة من كليتيه.
منافسة على الخير.. والفوز للأكبر
ظهرت مشاعر الأخوة القوية عند أبناء علي المشقاب، فخالد ليس وحده من قرر أن ينهي معاناة أخيه، بل بادر اثنان من أخوته أيضًا بإعلان استعدادهما للتبرع له، إلا أن الأخ الأكبر تصدى لتلك التضحية وآثر أن يثبت أنه حقًا الأب لذلك الأخ الأصغر.
يقول لـ«القطيف اليوم»: “منذ أن أعلمنا المستشفى أنه بحاجة إلى غسيل كلى قررت ألا يستمر كثيرًا في عملية الغسيل، وأن أنهي معاناته بالتبرع له بإحدى كليتي”.
ويمضي في حديثه: “بدأنا بالإجراءات، وطلب منا تحويل حالة المريض إلى مستشفى الملك فهد التخصصي من أجل التبرع”.
تأريخ بلا وجع
وفي شهر سبتمبر من عام 2020م، كانت الخطوة الأولى لإنهاء معاناة منير ورفع أوجاعه عنه، ففي هذا الشهر تحديدًا أجرى الأخوان الفحوصات الخاصة بعملية التبرع.
وبعد مرور أربعة أشهر، وتحديدًا في يناير 2021م، سجل خالد تاريخًا جديدًا في حياة أخيه منير، تاريخ يخلو من وجع الفشل الكلوي وآلام غسيله، بعد أن أجريت العملية لهما.
اختصار لمشاعر كبيرة
يستشهد خالد المشقاب بقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وهو يكشف عن الدافع الذي حركه لأن يبادر بالتبرع لأخيه منذ اللحظة الأولى التي علم فيها أنه سيحتاج للغسيل، معقبًا: “أنا أومن بأن رباط الأخوة يستوجب التضحية، فكيف لو كان الأخ بمثابة الابن، كان لابد لي أن أصر على التضحية له بجزء مني”.
سعادة تلو سعادة
مشاعر السعادة تزغرد في بيت عائلة المشقاب، سيما بعد نجاح العملية، فخالد يختصر سعادته بكلمتين: “شعور لا يوصف”، أما منير فيعجز عن التعبير عن تقديره لموقف أخيه مختزلًا شعوره بكلمة واحدة :”الامتنان”، أما زغاريد الفرح فقد قررت أن تمتد أمامهما بعد أن توّج خالد بوسام الملك عبدالعزيز، ليلحقه بعد أيام قليلة خبر أكثر فرحًا حين تم عقد قرآن أخيه منير وهو بتمام الصحة والعافية.