بأي المشاعر أبكيك يا ابن أمي

سلام الله على أشقائي الأحباء الذين فارقوني على غفلة من عمري!! وسلام على تلك الأعين الراقدة بسلام منذ زمن، رغم أن رحيلهم لا يزال كتلة حزن لن يفارق قلبي.

يا إلهي امنحني قدرة وقوة حيث أحتاج راحة لأتمكن أن أبكي وأنعى أخي هذه اللحظة!! نعم لقد حانت اللحظة كي تنزف جراحي من جديد، لأنعى أخي الثالث حسن وعجبت كيف للحظة أن تتسع لتسع كل هذا الوجع والفقد داخلي!! أكاد أن أختنق وكان لا بد لي من هواء نقي! أشعر بأنني أتصبب بعرق الوجع وتشتد عندي رغبة النوح بالبوح! حزينة أنا هذه اللحظة بحنين وأنين خفي حد الصراخ، حيث يخالطه خجل من الله لا أدرك عمقه، ولكنني موقنة حين أسمعه سوف أتبعه وكأنني حزينة لموت نفسي أيضاً، متسائلة: لم تنتابني هذه المشاعر الحزينة! ولقد أدركت أنها يد القدر هذا اليوم، كانت هي يد السماء التي أمسكت بأخي حسن فيما فررت بقلبي إلى روح أمي أراقبها بحزن عميق كيف تستقبل ولدها الثالث بعد عشر سنوات من رحيلها! وعزاؤنا أن للفقد وللرحيل أوجاعاً ولكن! لله وحده سبحانه الدوام والبقاء.

جلست ذات ليلة من هذا الأسبوع أعدُّ على أصابعي آخر ما تبقى من أيامك يا أخي، وشعور ما يراودني أنه ليس بالكثير ذاك الذي تبقى، عندما سمعتك تقول وبصوت مجهد والذعر يكاد يخفي معالمك: مللت البقاء هُنا ولعلني سأموتُ هُنا، خُذوني إلى بيتي، وأنت ملتصق بسريرك مستسلماً لأوجاعك! يا إلهي كم هو موجع ذلك المساءَ وقد تملكني القلق، ولم يعد الوقت على عجلة من أمره حيث الترقب والتوتر يملأ لحظة الرحيل، وتراودني المواقف الأخيرة من الحياة، وأرقب ما يحدث كل حين في شريطِ ممتد على خاصرة الزمن! كنت على موعد اللقاء بك الساعة الخامسة عصراً كعادتي كل يوم، حيث لا شيء أقوم به هذه الفترة العصيبة من هذا الوقت، فقط زيارتك حيث ترقد وتترقب زيارتنا لك، ولكنك كنت حينها على موعد اللقاء بربك، وما أعظمك يا رب هذه مشيئتك وحكمتك! ولكن ما أقساك يا قدر، وأي قدر هذا الذي اخترق وأوجع قلبي والذي أصبح قبراً لأشقائي الراحلين! وستبقى هناك مواقف لن تغيب من ذاكرتي ممزوجة بوجع في داخلي سأتذكره وأردده لنفسي ولوحدي!

عذراً وأنا أرثيك يا أخي من أعماق قلبي، تدمع عيني وأجد غصة في حلقي، فرحيلك أوجعني وترك جرحًا غائراً في وجداني. لقد رحلت في أقسى ساعات الرحيل، فلاذت الغصة في صدري وخلع قلبي مني، فبأي المشاعر أبكيك يا ابن أمي وكيف تطاوعني روحي لرثائك! كنت أظنك ستتعافى وترجع لبيتك! حيث لا أقوى على تصورك راحلاً، فلماذا استعجلت الرحيل والذي لم يخطر على بالي عجالته! يا إلهي كم هو صعب فراق الأشقاء الأحباء وكم هي جارحة لحظة الغياب! ما عاد قلبي يتحمل فقد الإخوة واحداً تلو الآخر والذي ترك رحيلكم في نفسي انكسارات عميقة.

معذرة يا ابن أمي لقد عجزت عن صمتي أثناء مرضك وأثناء زيارتك، والذي اعتبرته حيرة وارتباكاً بل وجعاً وحزناً وهاجساً أترقبه، والعذر ثم العذر منك لأني عاجزة أن أرثيك كما ينبغي رغم أنني أتقن فن الرثاء! إلا أن صدمتي فوق احتمالي برحيل ثلاثة من أشقائي، وعزائي هو أنني على يقين هذه حكمة ربي سبحانه وهذا قضاء الله وقدره!! وتبقى لوعة الفراق كأساً مرة تلهبني وتذيب مفاصلي، ولكنه الموت تلك الحقيقة العظمى التي لا شك ولا جدال فيها، لا أقوى على أكثر ولكن! من بين دموعي سلاماً وروحي في أوج حاجتها للسلام والعزاء والصبر.



error: المحتوي محمي