كما تؤخذ ضريبة عالية على بعض المنتجات، ينقل البرتو مانغويل في كتابه «يوميات القراءة» خبرا ظريفا عن مجموعة من قراصنة الكومبيوتر (الهاكرز) تسللوا إلى موقع وزارة المالية الرومانية وقاموا بإدخال «ضريبة على البلاهة»، وتفرض النسبة حسب أهمية الوظيفة التي يشغلها من يدفع الضريبة.
وفي سياق تعليقه على هذا الخبر، يقتبس مانغويل قول الروائي البرازيلي ماتشادو دي أسيس: «إن البلاهة هي جوهر الوضع البشري. وعندما تسود يغدو من الصعب التخلص منها».
ويختلف هذا النوع من الخلل في وظائف الدماغ عن ذلك «الجنون المبدع»، حيث يرى بعض المختصين أن المواهب العظيمة قرينة الجنون، وأنه يوجد عنصر مرضي مصاحب للعبقرية. وقد انعكست تلك الحالات المرضية على الأعمال الأدبية والفنية لبعض الأدباء والفنانين. لذلك يتساءل ميشيل فوكو في كتابه «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» عن حقيقة تلك الأعمال: «هل هي عمل أم جنون؟ إلهام أم استيهام؟ ثرثرة لغوية أم أصل خالص للغة؟»
في «كتاب الظِراف والمتماجنين»، وعند تعريفه للظرف والظرفاء، ينقل ابن الجوزي عن الحسن البصري قوله: «إذا كان اللص ظريفا لا يقطع». أي تسقط عنه عقوبة قطع اليد، ويعزو ذلك إلى بلاغة الظريف وقوة حجته. ويمكنني أن أضيف إلى تلك الأسباب سببا آخر هو «خفة الظل» التي يتمتع بها الظرفاء.
ولو أدرك الحسن البصري زماننا هذا لاستثنى أيضا من العقوبة أولئك الهاكرز الظرفاء الذين يتفوقون على لص ابن الجوزي ظرفا وذكاء، والذين لو سخروا ذكاءهم لخدمة أعمال خيرة لكان ذلك أجدى وأنفع.
وإذا كان حس الدعابة قد ذهب بأولئك (الهاكرز) إلى حد فرض ضريبة على البلاهة، فإن للبلاهة ضريبتها أيضا. ذلك أن معظم الكوارث والويلات التي عانت منها البشرية كانت نتيجة تقديرات وقرارات بلهاء.
وقد دفعت البشرية ثمنا باهظا للنتائج الكارثية التي خلفتها البلاهة. وتظل آثار تلك النتائج على المستوى الجماعي أعلى تكلفة، خصوصا حين يسلم الناس عقولهم لمسوقي البلاهة وقراصنة العقول.
يصنف ميشيل فوكو «البله» كاضطراب عقلي ضمن المجموعة المنتمية لـ «العته» كالغباء والهبل والبلادة. ومن البلاهة تكرار الخطأ نفسه وتوقع نتيجة مختلفة. لذلك يعيد التاريخ نفسه في بعض بقاع الأرض بكل أخطائه وحماقاته، وهو في بقاع أخرى شبيه بالنهر الذي لا يمكن أن تعبره مرتين. ذلك أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا للذاكرة المثقوبة التي لا تستفيد من دروس الماضي، وذلك منتهى الغفلة والبلاهة.