من صفوى.. في رحلة حفظه لكتاب الله.. السيد موسى السادة صغر سنه أبعده عن المراكز.. ودفع تذكرة انتسابه لتراتيل الفجر بـ«الحزب الـ60»

لم يدر في خلد السيدة شريفة علوي آل حسن، حين حاولت إلحاق صغيرها “السيد موسى”، بجمعية تراتيل الفجر وهو طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، أن الجمعية قد تقبله كطالب ينتسب لها، وأن يخطو فيها خطواته الأولى في حفظ كتاب الله، بل إنها لم تكن تتخيل أن تراه بعد 8 أعوام واحدًا من بين 7 حفاظ في تراتيل الفجر أتموا حفظ كتاب الله كاملًا.

اتصال هاتفي قصير أجرته «القطيف اليوم» مع السيدة آل حسن، بعد نشرها خبر تتويج ابنها بحفظ القرآن الكريم قبل خمسة أيام، لمسنا فيه مدى السعادة التي غمرت نفسها، واكتشفنا من خلاله أن مقولة “وراء كل رجل عظيم امرأة”، هي مقولة صادقة أحيانًا، سيما حين تكون تلك المرأة هي الأم والمربية قبل كل شيء.

طرقات على أبواب المراكز
تحدثنا بهدوء تخالطه نشوة فرح وهي تستعيد ذكرياتها مع ابنها البكر السيد موسى ابن السيد جعفر السيد حسن السادة، تحديدًا ذكرياتها وهي تبحث عن مركز يقبل صغيرها -ابن السابعة-؛ حيث كانت حينها تريد أن تشغل وقت فراغه بما هو مفيد؛ وعن ذلك تقول: “كنت كلما طرقت أبواب مركزٍ ما تم رفضه؛ لصغر سنه، إلا أنني في داخلي كنت مصرةً جدًا على أن ألحقه بأحد المراكز”.

تمضي في حديثها: “بعد عدة اختيارات ومحاولات، اتصلت على مدير جمعية تراتيل الفجر حسين آل إبراهيم، إلا أنهم اعتذروا مني أيضًا لذات السبب، إلا أنه عرض عليّ عرضًا، كان مفتاح الأبواب المغلقة أمامنا، وكان العرض عبارة عن حفظ الحزب الستين من القرآن الكريم، فإن تمكّن من حفظه سيتم قبوله في المركز”.

الخطوة الأولى في شهرين
تمكن السيد موسى من حفظ الحزب في شهرين، وعندها اجتمعت الـ”28″ سورة، لتكون خطوته الأولى في الانتساب لتراتيل الفجر، ليكون واحدًا من أبناء ذلك المركز القرآني.

تقول والدته: “كنت حينها قد تركت وظيفتي، فوضعت جل اهتمامي ليحفظ صغيري الجزء المحدد ليتم قبوله، ورغم أنه لم يكن يتمتع بحافظة خارقة إلا أننا اجتهدنا ليتم حفظه، وقد ساعده في ذلك أنه قد حفظ بعض الصور حين كان في مرحلة الروضة”.

وتضيف: “نجح ابني بعدها في تسميع ما حفظه، وقد كان حفظًا يلائم عمره، فلم تكن تلاوته مجودة ومخارج الحروف عنده لم تكن جميعها صحيحة، ومع ذلك فقد كافأه أستاذ حسين بقبوله في المركز وجائزة بسيطة، إلا أنها تركت أثرها الكبير من السعادة في نفسه”.

في “تراتيل الفجر”
تسترجع ذكرى يومه الأول في المركز، وتقول: “ذهب أول يوم ومشاعر السعادة والحماس تزهر في داخله، كانت ملامح الفرح تبدو واضحةً جدًا على وجهه”.

الحماس الذي حرك ساقي الطفل “السيد موسى”، بقي رفيقًا له منذ ذلك اليوم، فهو كان ينتظر الساعة الثالثة عصرًا كل يوم ليتوجه إلى المركز، بعد إنهائه واجباته المدرسية ومراجعة دروسه، حيث يمضي هناك ساعتين من وقته، ليعود بعدها ويبدأ مشواره مع الحفظ.

جدولٌ لا يعرف الراحة
اتبع الطفل السيد موسى جدولًا خاصًا ليتمكن من حفظ كتاب الله، ففي الابتدائية كان الحفظ سهلًا بالنسبة له لأن ذاكرة الأطفال لا تختلط بشوائب النسيان كما هو معروف، ومع ذلك فهو لم يكن يرتاح -حسب وصف والدته- فقد كان يعود من المركز ليبدأ مراجعة ما تعلمه، ويحاول تصحيح ما حدده له معلمه من أخطاء، مستعينًا بمقاطع اليوتيوب وصحبة والدته له كمعلم إضافي في المنزل.

كبر الطفل، وأصبح شبلًا في المتوسطة، وهنا بدأت التنازلات لديه تكبر في سبيل أن يكون رفيقًا لآيات كتاب الله أكبر وقت ممكن، فقد كان ينهي مذاكرة دروسه، ويرفض أن يأخذ قيلولة الظهيرة، فيراجع بعضًا من دروس المركز ثم يتوجه لدرسه هناك، ليعود بعدها لمنزله ويبدأ مشوار استذكار الآيات من جديد.

مخارجُ الحروف تستبعده من الفوز
لم يوفق السادة في الفوز في المسابقات القرآنية التي خاضها في أول عامين من التحاقه بالمركز، وقد عرقله في ذلك بعض مخارج الحروف غير الصحيحة، والتجويد الذي لم يتمكن من إتقانه بصورة تامة.

مفاجأةُ المركز الثاني
في الصف الرابع الابتدائي فاجأته فرحة الفوز، بعد أن حقق المركز الثاني في إحدى المسابقات القرآنية التي أقيمت في مدينته -صفوى-، ليشتعل بعدها فتيل الحماس داخله، ويبدأ في حصد جوائز عديدة، كانت تتويج فخر له ولأسرته ولمركز تراتيل الفجر.

فوزٌ يتلوه فوز
فاز السيد موسى بالعديد من المراكز منها؛ المركز الأول في مسابقة السويدان الوزارية على مستوى المنطقة الشرقية، والمركز الأول في مسابقة قبس التي تقيمها مؤسسة الأمير محمد بن فهد بن جلوي بالأحساء وتم تكريمه في جامعة الملك فيصل، أيضًا بالمركز الأول في مسابقة مجلس القرآني المشترك في حفظ 5 أجزاء وكذلك في حفظ 10 أجزاء، كما فاز في مسابقة المدينة المنورة المركزية في الحرم النبوي الشريف بالمركز السابع لسنتين متتاليتين في 5 أجزاء، وكذلك حصل على جائزة القطيف للإنجاز لتفوقه في حفظ القرآن الكريم في نسختها الأخيرة، كما شارك في مسابقة الكويت والبحرين وحصل على مراكز متقدمة، وغيرها الكثير من الإنجازات.

خطوات الحفظ
حفظ السادة كتاب الله على مراحل، إلى أن أتم حفظ عشرة أجزاء في المرحلة المتوسطة، وهنا شعرت والدته أنها حققت حلمها به، حيث تقول: “كان هذا أقصى آمالي؛ أن أبلغ اليوم الذي يكون فيه ابني حافظًا ثلث القرآن، شعرت يوم اجتاز اختبار العشرة أجزاء أنني وصلت لهدفي وغايتي”.

وواصلت ما بدأته من كلامها حول حفظه: “بعد أن أتم تلك الجزئية قال لي هو بنفسه سأواصل الحفظ، وفاجأني بعدها أنه أتم حفظ 13 جزءًا”، مضيفةً: “انشغلت بعدها عن المتابعة معه، سيما أنني أم لابن وابنة غير السيد موسى، فاعتمد هو على نفسه، وكان آخر ما تابعت معه حفظه الجزء السابع عشر تقريبًا، حتى زادت انشغالاتي، ولكنني لم أهمله تمامًا؛ فكنت أسأله بين حين وآخر عن الحفظ”.

وتتابع حكاية فرحها به: “مر عام تقريبًا على حفظه للجزء السابع عشر، ليفاجئني أنه استطاع خلال هذه الفترة أن يتم حفظ كتاب الله، الأمر الذي خلق بداخلي فرحةً يخونني التعبير حين أحاول وصفها”.

آثار القرآن الكريم
ترك كتاب الله آثاره على ذلك الطفل، تقول والدته: “كان ابني متفوقًا في دراسته، فهو كل عام لا بد أن يكون ضمن المكرمين، نظرًا لاجتهاده في المذاكرة، كما أنني لم أكن أهمل مذاكرته المدرسية أو مراجعته لحفظ القرآن الكريم، إلا أنه كما أسلفت لم يكن يمتاز بسرعة الحفظ، فحفظ صفحة واحدة في الابتدائية كان أمرًا ليس بالسهل بالنسبة له، إلا أنه مع استمراره لحفظ كتاب الله تطور حفظه كثيرًا، والآن هو في الصف الأول ثانوي وهو أحد طلاب مدرسة دار العلوم المتفوقين”.

هكذا يراه معلموه
تعلم السادة على يد عدد من المعلمين في تراتيل الفجر التابع لمركز علم الهدى بصفوى؛ وكان أبرز معلميه: ثابت آل كاظم وهو المعلم الذي ترجع له والدته الفضل بعد الله فيما وصل إليه، وكذلك من بين معلميه حسين آل إبراهيم ومؤيد الحميدي.

وعنه قال معلمه الأول؛ ثابت آل كاظم: “التحق السيد موسى السادة بحلقات تراتيل الفجر القرآنية وهو في السابعة من عمره، وأخذ يترعرع فيها، ويحضر الدروس، ويستمع إلى شرح المعلم بحب ورغبة صادقة، وينهل من معارف علوم القرآن الكريم، فما لبث أن ظهر عليه النبوغ والتميز، وهذا واضح من خلال مشاركاته في المسابقات المحلية داخل المملكة وخارجها والتي نال فيها المراكز المتقدمة على كثير من أقرانه، ولعل أبرز ما يتميز به السيد موسى خلال هذه السنوات التي قضاها معي في الحلقة القرآنية؛ تقديره وتبجيله للمعلم، وكذلك احترامه لزملائه والتواضع معهم وعدم التعالي أو الترفع عليهم، وهذه من أهم ثمرات حفظ القرآن الكريم وفهم معانيه، وأيضًا هو يمتاز بالتذكر لجميع الملاحظات التي أشير لها وأنبه عليها داخل الحلقة، وأيضًا قراءته القرآن بصوت شجي حزين”، واصفًا هذا بأنه مصداق للحديث الشريف “إن القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه بالحزن”.

وأضاف: “هو أيضًا يتمتع بالطموح الكبير؛ فبمجرد أن وصل إلى حفظ ثلاثة عشر جزءًا، ازدادت رغبته وقويت وصمم على أن يحفظ القرآن الكريم كاملًا، كما أنه عرف بابتسامته في وجوه الآخرين؛ فأنا طوال هذه السنوات لا أذكر أنني رأيته يومًا عابسًا أو منقبضًا في داخل حلقة الدرس”.

وبارك آل ثابت للحافظ الذي ذكر أنه يعتبره “ابنه”، إنجازه حفظ كتاب الله عز وجل، موصيًا إياه بتقوى الله عز وجل، وأن يجعل القرآن الكريم وردًا له في كل يوم، وأن يعمل بما فيه من أحكام ومواعظ وإرشادات.

وتحدث معلمه آل إبراهيم فقال عنه: “السيد موسى يتميز بخلقه العالي فهو يحترم أساتذته ويحترم معلميه سواء بالمدرسة أو في القرآن الكريم وأيضًا هو من الأبناء البارين بوالديهم، فالسيد موسى هو صديق الحافظ السيد سجاد وهو في نفس عمره وقد تشجع كثيرًا، أيضًا علاقته بزملائه حفظة القرآن الكريم علاقة مميزة فهو دائمًا يحب لغيره ما يحبه لنفسه ويدعو لغيره مثلما يدعو لنفسه ويتمنى الخير للآخرين، وهو من الطلاب المميزين خلقًا فعلًا ونحن نعتبره ممن زادهم حفظ القرآن الكريم حيث انعكست أخلاق القرآن على أخلاق هذا الشاب الحافظ بارك الله فيه السيد النجيب، وهو متفوق في المدرسة كما أنه متفوق في القرآن الكريم”.


 



error: المحتوي محمي