تكاليف الزوج مراجعة وتغيير

ورد عن رسول الله (ص) في زواج أمير المؤمنين والزهراء (ع): “اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف” (بحار الأنوار ج ٤٣ ص ١٣٠).

أي بساطة وبعد عن التكلف كان عليه زفاف مولاتنا سيدة نساء العالمين الزهراء (ع)، وكانت من ثماره الطيبة تلك الحياة المستقرة والهانئة في سكنهما الزوجي، بل وكانت تلك العلاقة بين النورين (ع) موضع اهتمام الباحثين الاجتماعيين وخبراء العلاقات الزوجية لاستقاء الدروس والعبر، وتقديمها كقبسات نورانية تشع على حياة المتزوجين وتهبهم الانسجام والتفاهم والمحبة.

وبلا شك فإنا لا نقارن أنفسنا بحياة المعصومين (ع)، إذ لا وجه لتلك المقارنة، ولكننا نقتدي بهم ونسير على نهجهم الداعي إلى احترام كل طرف للآخر والعمل على راحته وإسعاده، فيشعر بوجود شريك الحياة الذي يسنده في مواجهة صعاب الحياة ويفسح له ببارقة الأمل بنحو مستمر بالنظر الإيجابي لمحطات الحياة، فالحياة الزوجية شركة وتوافق وثقة متبادلة تسعفهما على تجاوز المراحل الصعبة في حياتهما.

لقد كان جهاز سيدة نساء العالمين متواضعاً وبسيطاً من الناحية المادية ويعبر عن حياة الزهد والكفاف التي عاشوها، فالراحة والسعادة الزوجية لا يحققها البذخ والترف في التجهيز بما يرهق ميزانية الزوج ويدخله في دوامة القروض، بل هي صب الاهتمام بالجانب المعنوي وتكوين علاقتهما المنسجمة وفق مبادئ التفاهم والمحبة والثقة، وأما تجهيزات الزواج فتكون وفق القدرة المالية للزوج بما يحقق مستلزمات الحياة الكريمة، وهذا ما نفهمه من قول رسول الله (ص) الذي يمثل منطق الحكمة وفصل الخطاب في هذا الأمر: “اللهمَّ باركْ لقومٍ جُلَّ آنيتهم الخزف”.

أثاث بيت الزهراء (ع) لم يتعد الوسائد المحشوة بالليف وفرشاً بسيطاً، ولكنه يمتلك مكانة رمزية عالية في المعرفة الحقة بالدنيا والآخرة، إذ إنها دعوة لقطع النظر بالطمع والتعلق والتولع بالدنيا ومظاهرها الخداعة التي تأخذ بالإنسان نحو التيه والضياع والابتعاد عن الهدف الحقيقي من الوجود الدنيوي، كما أن راحة البال الحقيقية والهدوء النفسي لا يتحقق بالتولع بالمظاهر والموضات المتلاحقة والمقارنة بالوضع المادي للآخرين، وإنما هي القناعة والبساطة والعيش المتوافق مع المستوى المادي للزوج.

تجهيزات الزواج المادية منذ التحضير لليلة العقد وما يتلوها وصولاً إلى ليلة الزفاف والتبريك تمثل حملاً مالياً باهظاً على كاهل الشاب، فإن الكلمة متفقة على أن التغيرات الاقتصادية تدعو إلى التعامل بما يتناسب وواقع وضع الشاب حديث التوظيف، وعدم تحميله من التكاليف ما يدعوه إلى الاتجاه نحو القروض، ولا يخفى علينا الضغوط النفسية التي يواجهها بعد الزواج وهو يحاول جدولة ديونه بما يفوق قدرته المالية، وتأثير ذلك بالطبع على العلاقة الزوجية من الأمور الواضحة، إذ إن الحالة التي يرثى لها للزوج بعد مخاض مادي صعب ستكون عثرة في وجه راحة البال والانسجام بينهما، والحديث حول تكاليف الزواج المادي ذو شجون ويلمس أثره الجميع وهو محط أنظار الجلساء وهمسهم.

ونحتاج إلى قرارات جدية وحازمة تخفف من تلك الأعباء، وتغير نظرة الشباب والفتيات والأهل حول مفهوم السعادة الزوجية والمكانة العالية لشريك الحياة، بأنها تتعلق بالثقافة الزوجية وتربية النشء حول مفهوم التعامل الراقي مع الآخر وسبل تعزيز العلاقة معه، فالخلافات والمشاحنات لن توقفها مظاهر الأبهة والتفاخر والأثمان الغالية والموضات الجديدة، بل التربية السليمة والثقافة الاجتماعية تحافظ على استقرار علاقة الزوجين عند أي محطة لسوء التفاهم، فيدخلان في حوار هادئ يستمع فيه كل واحد للآخر حتى يتمكنا من الوصول لحلول ممكنة ومرضية.

وهذا لا يعني بالتأكيد إلغاء جميع مظاهر الزينة والفرح، بل هو دعوة للتقنين بما يتوافق ومستجدات الوضع الوظيفي للشباب، فإن الضمانة المستقبلية للزواج السعيد لن تكون بكثرة المهر أو بذخ المظاهر، بل البساطة تعد تيمناً بسيرة الأطهار (ع) وتعد عاملاً لتجنب تأخر الشباب عن الزواج أو العزوف عنه.



error: المحتوي محمي