إلى القراء مع التحية

منذ فترة لا أرى قلمي بين أناملي وكأن الفراغ يستدير حول فكري وعقلي!! حيث لا شيء أفعله سوى زيارة شقيقي حسن يومياً حيث يرقد لأطمئن على عافيته، كنت بيني وبين نفسي ألتفت إليه متسائلة بصمت ولعلني بعبثية السؤال ما الذي جاء بك إلى هنا؟ وإلى متى ستبقى على هذا السرير الأبيض؟ وألمحه ينظر إلي وكأنه يريد أن يقول شيئاً! استجمعت قوتي وصبري ونظرت إلى وجهه بعمق، فهالني ما وجدت من شبه بيننا وكأنه أنا في زمن آخر! ولعل وضعه يثير القلق بقلبي وبذات الوقت يغمرني بفيض من الرضا والتحمل.

قرأت ذات مرة لعملاق القصة المصرية القصيرة الكاتب يوسف إدريس تصريحاً يقول: إنه لا يحب لمن يحبهم أن يحترفوا الكتابة لأن الكاتب الحقيقى لا يعيش الحياة مثل بقية البشر! وكان يتمنى الأديب ريك جيكوسكي نصيحة قدمها له صديقه توم روزينثال: انس كل ما كتبت بمجرد النشر، ولكنه للأسف لم يلتزم بهذه النصيحة!! ما أردت قوله إنني لم أتهرب من الكتابة هنا، ثمة قصور غير متعمد مني نحوك أيها القارئ الكريم ولكنني قد بدأت مقالي بدواعي قلة الكتابة لدي! حيث كنت أكتب لنفسي بعض الأفكار التي أهيم بها، والتي أعتبرها مجرد بوح لذاتي لأتجاوز وأتخطى الهاجس والحاجز الروحي!

ولأني جالسة في بيتي أشبه بمعزل أجد فيه راحتي النفسية، والتي قلما تدفعني للكتابة حين ينتفض قلمي ويخرج عن صمته الذي طال! وأنا امرأة تجيد الصمت والبوح في ذات الوقت، في حين أجد نفسي فجأة تأتيني لحظة أو موقف أو إحساس شخصي يمر في ذهني ومخيلتي، فأكتب وبعدها تتم صياغته بطريقتي عندما تطلب مشاعري الترجمة لإيصالها للقارئ بشكل يليق بذائقته، رغم إدراكي أن بعض المشاعر والاندفاعات قد تستنزفني نوعاً ما، صدقاً أنا لا أكتب في كل وقت، إنما في وقت الفضفضة محاولة مني بعدم الاستسلام.

لا أخفيك أيها القارئ الكريم بعد أن اكتشفت نفسي غارقة تماماً ببعض الظروف وفي ضباب الكلمة والتي لا أتحمل هجرانها! أسأل نفسي بكل تحفظ وحياء: بعد أن كثرت الأقلام الأدبية المتنوعة على الساحة الثقافية ما الذي يحدث معي؟ أشعر أنني تائهة وقلقة مع هذه الظروف ولنسمها العزلة المؤقتة وإن طالت! لذيذة تفجر براكين الإحساس من خلال الكتابة وكأنها المتنفس الوحيد للبعض، وإن كانت الكتابة العشوائية هي ظاهرة غير صحيّه، لأنها بالطبع كلّما كثر الكمّ قلّ الكيف!

ولا بدّ من وجود الكيف والنوعية كمطلب أدبي، رغم أنه وصل إلى سمعي من البعض بجرأة قلمي! وأنا لا أرى في كتاباتي أي جرأة وإنما الواقعية في إطار الحرف الملتزم، وليعلم البعض بأنني لا أكتب عبثاً ولست عبثية إلى هذا الحد!! فكل شخص لديه ما يميزه عن غيره بطريقة ما، فحين أبحر في أعماق الكتابة أجد روحي بين الأمواج وإن أسهبت في الوصف لجاز لي أن أقول لعلني أجد نفسي في بعض مقالات الغير وقد أغبطهم لكتاباتهم.
وهنا أنوه على استحياء، علينا أن ندرك تماماً أن بداخل كل إنسان منا صرخة لم تُصرخ بعد، صرخة صامتة تلازمنا، تتعدد وتتباين أسبابها وأسرارها وفقاً للمرء ذاته ورغبته المكبوتة داخله، حينها نلجأ للكتابة والتي تجعلنا أقوياء وتبني أمامنا أطول وأوسع الجسور مع القراء، حيث إنِ الكتابة ليست مجرد كتابة فحسب، بل الغوص في عمق الحرف والانسياب مع عذوبة الكلمة وصدقها والتي تجعل القارئ يسافر عبر السطور وتأخذه نحو البعيد القريب.

وأخيرا، يا إلهي لم أعد قادرة على رؤية شقيقي وابن أمي، أسير السرير الأبيض! هذا المشهد يجعلني كئيبة الليل والنهار كله، بل تجعل أكف أيادي مضطربة وهي تصنع أجنحة الدعاء له بالشفاء، مدركة أن الله يستجيب دعاء المضطر إذا دعاه.



error: المحتوي محمي