النص المشارك في جائزة تكوين للقارئ العربي الموسم الأول بدولة الكويت 2021

الأسئلة المغتربة: بين الهوية والقضية

رواية: ولدت هناك ولدت هنا
مريد البرغوثي
دار رياض الريس للنشر
الطبعة الثانية 2011

سبب اختياري للرواية هو محاولة لاكتشاف دهاليز الحياة اليومية في العائلة الفلسطينية وعن معنى “الجسر” لديهم عن الشتات، وعن معنى الأرض في معجم أفئدتهم، وعن الحنين للمغتربين عن أرضهم وجذورهم الأصيلة.

تتشكل الصور في مدى فهم معنى الإبصار في جذور الحياة، بالإضافة إلى رسم خارطة المخيلة كمساحة نحو أنفاس الآمال وارتباطها بالواقع المُعاش بمرارته وأُنسه في بعض الأحايين.

تقف أمام صورة من الصور المتشكلة في شرايين وعيك تتأمل مساحة الجذور التي عرفت كينونة ذرات التراب قبل أن تكبر الأغصان صوب خيوط الشمس.

وأنت تكون على قيد الحياة لا يعني بالضرورة أنك وجدت هويتك ومكثت في مسقط رأسك بكل طمأنينة وسلام.

أن تكون على قيد الحياة، يعني أن تعيش سلامها في داخلك قبل أن تراه في عوالمك القريبة منك.

تكون جزءًا من انتماء يرتوي من نبع الهوية، وإن رحل عنها هذا الانتماء بعنوة وقسوة من محتل غاصب للأرض والمرج والحجر وكينونة التراب وكل ذرة أشرقت بشروق الشمس في معادن الأصالة الواضحة في روح الأشياء والآثار والأنحاء والأرجاء.

وامتدادًا نحو يدي كهل أنهكته الأيام بثقل حنينها، وشاهد على ثمن الوقت حينما جرى السطو على أرضه وكيانه.

وبين اشتياق كروم الأرض ووديان كل سنبلة تحكي عن دمعة أم فقدت فلذات أكبادها بلمحة عين، من بين هذه العناوين عاشت صورة من الحنين لا تقبل النسيان ولن تقبل أن تندثر من سِفر التاريخ.

هنا يبدو الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي روائيًا بسيرة ذاتية تحكي عن غصات يسردها بكل أنفاسه المتصلة في ضمير حي لم يستتر يومًا عن قضيته، تقدير هذا الضمير يعود إلى بوصلة فلسطين ولا سواها.

بين الجسر وتميم، بين حكايات الناس المختبئة بقلق وحذر، بين أن تبقى أو أن ترحل من بين الكثير من المهجرين.

كيف يبدو عنده طعم الأسى، أتخيل أنه جفف دموعه كي يستطيع أن يواصل سرد بقية الحكاية الذاتية بكل غرفات قلبه ونبضات عينيه وسهر جوارحه واستيقاظه بكل حواس طاقته الذهنية.

يبدو القلم مكتوبًا بآمال أيضًا، بصبر لا تفهمه لغة المحتل
هذا الصبر لا تكسره القيود
ولا تشيخ أيامه وإن رحل صاحب هذا الصبر.

يبقى عروج هذا الصبر لذاكرة تعيش من جديد، وتكتب سيرتها بكل فخر واعتزاز.

تظل تسرح في آفاق الوجد، ترسم في حنايا الآهات مساحات للنهوض من جديد، أنت وحدك تفهم كنه الصمت ودلالات الوقت في خطواتك نحو “المؤقت” من الانتظار وقضاء العُمر في المؤقت من معجم الوقت المنشود بين دفتي الترحال والوحدة.

أنت وحدك تدرك مرارة الغياب عن الأحباب
وحدك تركن في زاوية هادئة من مقهى لا يشبهك
ينتمي إلى طراز أوروبي في بولندا وأنت مغترب عن المكان.

ترسمك الكلمات المثقلة بالمسافات الطويلة
تؤثث معناك قصة نافذتك المشعة من ثنايا الأصل وجذور الزيتون شاهدة على هذا الأصل القديم.

تطرز مشاعرك عروج مسافاتك
أنت المسافة في ذاكرة الوقت
أنت الوقت في كنف الاغتراب
أنت الاغتراب في مسارات الشتات.

أنت لغز الأسئلة المغتربة
وأنت بداية المعنى في أصول الأرض
أنت ترجمة وعي الجذور في جزئيات التراب المستترة عن العيون.

يريدونك أن تغيب
وترحالك يتحدى الغياب
حتى غصون الزيتون تعرف أصولك وتجذرك في أرضك.

قافية القلق تدرك معجم ألمك
أنشودة الأمل بالعودة لأرضك
تترجم خطواتك لآهات لا تشيخ همتها وإصرارها.

حتى السؤال بحد ذاته
عنوانا يحكي بأنسنة مكثفة بالحنين
الحنين هنا جغرافيا تضاريسها تتشكل بأبطال رسموا في الأرض مجد عزتهم.

والحنين كـ تاريخ تكتبه شجرة الزيتون
قبل أن يحكيه الناس بتراثهم وآلامهم وآمالهم.

والحنين أيضًا كصورة فوتوغرافية
تستنطق الألوان بحبر الضوء
وتستيقظ بإشراق لا تحجبه الظلمات.

ثمن الوقت في الحنين هوية
وثمن الهوية نور يشع
من أحشاء أمٍّ أنجبت بطولة
وأب رسم في أبنائه المعنى الأسمى للإخلاص في حب الأرض.

هنا الشعر والرواية والسيرة الذاتية وكل معاني الأدب
تستنطق الآهات بمسك كلمات بلاغية
أو طيف من بريد أبجديةٍ ترسم خيوطًا للضوء بصفحات من أمل يتبعه عمل وتعلم وشغف بالمعرفة.

لتكون الأرض ليست مجرد مكان
بل لغز يحير المحتل
في بلاغة أهل الأرض المتجذرين بأصالة لا تهرم
لغز متكثف بالعمل بالعلم وعلم يحكي بحكمة
وحكمة تكتب التاريخ بنجوم بازغة بآفاق الأمانة والوفاء
متسعة للقلوب الوالهة ما استطاعت لذلك سبيلًا.




error: المحتوي محمي