الفرق بين الاستطاعة والقوّة

قال الله تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)، ويقول الإمام الرضا “سلام الله عليه”: “يكون العبد مستطيعاً بعد أربع خصـال: أن يكـون مخلـى السـرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد مـن الله عـز وجل”، ومعنى مخلي السرب: أي غير ممنوع وغير محجوبٍ عليه الطريق، أي أن القوة تظهر بالاستطاعة وإذا انعدمت مسبباتها فإنها لن توجد.

كثيرٌ ممن حولي لا يفرق بين الاستطاعة والقوة، ولا أعرف هل هي قصور في الحصول على المعلومات أم هي ثقافة مجتمع، ومن باب نشر العلم وتصحيح المفاهيم أحببت البحث علمياً عما يفرق بينهما ليستفيد القارئ لهذه الكلمات.

استوقفني بحث م. د. محمد عيدان محمد في شرح الاستطاعة في بحثه “مفهوم الاستطاعة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام”، حيث لخص الاستطاعة بأنها القـدرة على الفعل وقت الفعل مع القيام به، بمعنى مبسط أنك “قادر” على فعل ما في تلك اللحظة وتفعله، أي أنها مقدمة للفعل بمعنى عزيمة على إحداث الفعل، وتلك العزيمة هي التوفيق الإلهي، فلابد أن تتقدم الاستطاعة على الفعل، أي أن قضية الاستطاعة مـن الأمور التي تخص أفعال الإنسان واستطاعته – قدرته – على الفعل وهو متعلق بعدله تعالى، فهناك الاستطاعة المالية، والاستطاعة الجسدية، والاستطاعة الذهنية، وكلها توافيق وهبات من الله عز وجل.

كما أضاف للتفريق بين الاستطاعة والإطاقة – الطاقة -: الاستطاعة مخصوص بها الإنسان، والإطاقة عامة لجميع الكائنات، فنقول لغوياً: الجمل مطيق لحمله، ولا نقول مستطيع.

أما القُوَّة: فهي الطاقة أي ضدُّ الضعف.

قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) أي ما لا نقواه.

وللقوة نوعان: قوة جسدية (عظام وعضلات) مرئية لا تحتاج شرحاً ولا تفسيراً ويمكن ملاحظة تغيرها بالسلب والإيجاب، وعند ضعفها يتقوى الإنسان بالعلاج والدواء.

والأخرى قوة نفسية (روحية، عقلية، شخصية…….) تعتبر من الخوافي ودواخل الأمور، لا ترى رؤيا العين، ولكن يمكن الاستدلال عليها إيجاباً أو سلباً بالأعراض في القوة والإيجاب، يقول الله تعالى (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، أما الضعف فيقول الله تعالى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) أي تأثرت قوتها الروحية لفقدها واصابها خلل شديد ليعبر الله عنه بالفراغ، وكلمة فراغ عظيمة لا يفهمها إلا من مر بها، أي لا يلحظها الناس، لكن ذلك الشعور لم يصل لتأثر نبي الله يعقوب بفقده ولده، حيث قال الله عنه (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)، أي ظهرت علاماته عليه وأصبحت ترى.

عندما تشتد القوة النفسية يصبح المرء مستقراً، أما في ضعفها يصبح مضطرباً منهكاً، وبوجود الآخرين وسندهم ودعمهم واستشعارهم يذهب بعض الضعف، فعندما تخوف نبي الله إبراهيم من تركه زوجته وابنه لوحدهم دعا ربه جبراً لخاطرهم (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) أي تسرع إليهم شوقاً ووداً.

نشأنا ونحن مقتنعين بأن آباءنا وكبار العائلة أقوياء لأنهم في أعيننا كما ألفناهم في صغرنا ولا نلحظ ضعفهم الداخلي وحاجتهم للسند والاحتواء وملء الوقت، والعاملون في مهام تستنزف منهم جهداً بدنياً ونفسياً والفاقدون كذلك، كلهم مهما ظهروا في نظركم أقوياء هناك حركة ترميم عظيمة بدواخلهم لا تشعرونها ولا تسمعون لها أثراً، تحتاج من الوقت ما لا يعلمه إلا الله.

الكلمة الطيبة واحتوائهم بالتواجد حولهم والتخفيف عنهم أشياء بسيطة، لكنها تسهل عليهم ذلك الترميم وتمدهم ببعض القوة التي تجعلهم متماسكين في هذهِ الحياة.



error: المحتوي محمي