منذ سنوات وسؤال البطالة خاصة بين الخريجين يطرح نفسه بإلحاح، ليس على المسؤولين وأصحاب الشركات والمؤسسات بل على كل قيادات المجتمع والمعنيين بالشأن العام بما في ذلك الكتاب والصحفيون والمربون والأكاديميون، وهو سؤال يتجدد بقوة في نهاية كل عام دراسي، حيث يتدفق إلى سوق العمل آلاف الخريجين وفي مختلف التخصصات ذكوراً وإناثًا من المؤسسات التعليمية داخل المملكة وخارجها وبمختلف الدرجات العلمية.
ربما يكون الأمر ليس غريبًا أن تتزايد أعداد الخريجين عامًا بعد عام، ولكن الطبيعي أن يترتب على موازاة ذلك أيضًا توليد وظائف جديدة تبعًا لحاجات المجتمع من جهة ونتيجة لتوطين الوظائف من جهة أخرى، وبصراحة لا ينبغي أن يكون الأمر مقتصراً على الإحلال والسعودة وإن كان ذلك جزءاً من الحل لكنه لن يكون حلاً على المدى الطويل.. فماذا نعمل لو تم توطين أكثر الوظائف.. ثم ماذا بعد؟، وأين يذهب من يتخرج بعد ذلك مع العلم أنه لا توجد دولة مهما كانت متقدمة إلا ولديها عاملون من غير أبنائها وذلك لاعتبارات عديدة لها صلة بطبيعة اقتصاد كل دولة حينًا وطبيعة المهن المستهدفة حينًا آخر، مما يستوجب البحث عن فرص متجددة للتوظيف تستفيد منها الأجيال جيلاً بعد جيل، وذلك بلا شك يقتضي أخذ العديد من الاعتبارات في الحسبان، أولها التعامل مع الثقافة المنتشرة بين الكثيرين، وهي انتظار الوظيفة في القطاع العام لأن هذا القطاع مهما اتسّع يظل محدوداً وخاضعًا لضوابط بيروقراطية عديدة وغيرها، فلا بد من تقبل التوجه للعمل في القطاع الخاص أو المشاريع والمنشآت الصغيرة التي يؤسسها طالب العمل في مجال ذي صلة بتخصصه وإمكانياته وبمساعدة من مؤسسات التنمية البشرية والتي ينبغي أن لا تبخل بتوفير دراسات الجدوى والقروض الميسرة لمثل هذا النوع من المشاريع، وهو مجال لا ينقطع فيه توليد الوظائف وتجددها بما يستجيب للحاجات المستمرة للمواطنين الذين يعانون من البطالة خاصةً هؤلاء الذين تبذل الدولة الجهد والمال لابتعاثهم في الخارج أو توفير فرص التدريب لهم في الداخل، وهذا الحل ليس بجديد حيث نجح في مواجهة البطالة في عديد من البلدان وأمثلة ذلك كثيرة منها بنك الفقراء في بنجلاديش الذي حقق نجاحًا باهراً مع أن البلد يعاني من مشكلتي الفقر وارتفاع البطالة والكثافة السكانية.
ربما يقول قائل: لقد حاول كثيرون وفشلوا.. وهنا يجب البحث عن الأسباب لتلافيها وتوفير عوامل النجاح.. ولرب قائل يقول أيضًا: إن كان ما تقول يجيب عن سؤال البطالة فإن أسئلة أخرى تترتب على هذا الجواب قبل أن نجزم بأن هذا الحل جديرٌ بالاهتمام، ونحن نتفق تمامًا مع هذا القول.. فلتطرح الأسئلة ولنساهم جميعًا في الإجابة عنها.. المهم أن نجد جوابًا للسؤال الكبير الذي يؤرقنا جميعًا.. سؤال البطالة؟