اسم في ذاكرتي

إسم في ذاكرتي

أهمس لكل القراء دعونا نكتب كي نقول كلمتنا ما دامت الكتابة مساحة للتعبير عن وجود متميز,لنبني روابط فكرية اجتماعية كفيلة من أجل إستشراق المستقبل ونتبادل سلع الوفاء والحب والعطاء دون جمارك الكلمات والحروف, لنطير في عالم الصدق المعهود, دعوني أتكلم كي يبقى لساني رشيقا تصيب لذاعته كل من يستحقه بجدارة, وإن صمتُ فلعلني أجيد فن الصمت دون فضح الأمور وكشفها, قد تتهمني يا قارئي بالجنون ولا بأس لأن الجنون من بين أفضل الأشياء التي لا يحتاج الإنسان إلى ترخيص من أحد, قد تعلو على محياي حٌمرة خجل تتحدى سمرة بشرتي وتأبى إلا أن تعلو مبينة وفاء وصدق مشاعري وأحاسيسي لمن سكنوا قلبي من قريب وبعيد.

آه أيكون الوفاء ممنوعا لتموت الروح وقد صار خليطا بدمائنا وسيبقى يلازمنا في أطياف من نحب, وأي عزاء هناك آهات وذكريات مع أسماء وأطياف ووجوه خالدة وباقية, أنا أدرك مساحة الارتباك وخطوط الرهبة حين أسلط الضوء على أحد الرموز الإنسانية التي غادرتنا بصمت ولا يزال طيفها معنا, حتى الحديث عنها له وقع جميل ونكهة مثيرة .

أحاول أن اشبع نصي برواء اللغة الرطبة فالكتابة عندي دائما رؤية وفكرة ورسالة وربما تلميح وقبل كل شيء فلسفة, الحماس بداخلي لا زال في بدايته فقلبي يسابق اشراقة الفجر, حيث لم يعد قلبي يسمح أن أكره أحدا وأنا مطحونة بعشق سماء القطيف يا لجمالها ويا لجمال وسعادة من سكنها وحتى من مات على أرضها.

كانت هذه الليلة بلا صوت فالصمت يغزل فينا ألف قصة وحكاية دون انتهاء ذلك الليل الطويل, يحرسني الخوف عن البوح والصوت الداخلي يملؤني, كيف لي أن أهاب وأخشى من وهج الصباح لأختصر المسافات, لدي حواس خاصة شديدة الإحساس وهنا امتلك ذاتي بالتجديد والواقع وليس بالثرثرة والتشدق رغم بلاغة الصمت أحيانا.

أتنفس في ليلي الهادئ الهدوء والسكينة واستقبل فجري بصلاة ودعاء, وأتلهف لعناق وطني الحبيب, هناك سر عشقي لصوت المؤذن المبحوح مناديا لصلاة الفجر الصلاة خير من النوم وأنا أقول حي على الصلاة, و بين تنهيدة الفجر وإشراقه الشمس هناك يقين وإيمان.

لا أريد أن تفهموا كلماتي إلا كما هي فقط دون زيادة, أطمح أن أكون شامخة ببخور ليلة المولد وأن أكون نخلة واقفة مع نخيل القطيف, حيث تختلط فيها روائح العود والزعفران واللوز والبيض البلدي بروائح التاريخ, التي تفوح من أركانها ممثلة في الحكايات الجميلة ولا غرابة في ذلك, إذا ما فتحنا سجلات زمان ونقول بأنها مدينة مأهولة بشخصيات قطيفية لها التحية والتقدير أرحب بمن طالتهم ذاكرتي وممن تفخر القطيف بهم بل وهم فخر القطيف التي تعني الحياة والعطاء والعفة.

عتبي على نفسي لو أبعدني القدر دون أن أسجل أسماء من لمع اسمه في
ذاكرتي, والتي بدأت تظهر بعض العصيان وتاهت بعض الأسماء من فكري رغم إن معظمها قد ُحفرت في الذاكرة وإن كانت هواجس فكري تبعدني عن تلك الأسماء فيبقى القلب ينبض بحبهم.

قصة جيلنا هي مجموعة قصص كل واحد منا منفردا, وهنا أتساءل لماذا لا نكتب عن أهلنا عن ناسنا, وعندما نتحدث عنهم سنعرفهم وعندما نعرفهم نعرف من نحن ونعرف شعبنا أكثر من خلالهم.

وهنا لا بد لي من أخذ استراحة قصيرة مع كوب قهوتي التي لا أتنازل عنها, لأتحدث عن أسم حي في قلبي تستحق أن نضرب بها مثلا, سأسلط الضوء على جوانب محدودة لإحدى سيدات القطيف, راجية من القراء السماح لي بالخوض في هذه المقالة المهمة والملهمة, وسأكون سعيدة وشاكرة لكل من يتداخل هنا حاليا.

حكاية المرأة في القطيف ليست حكاية قلادة ورد وريحان أو عقد لؤلؤ, بل إسهام فاعل وإن كان غير ملموس للبعض, في سمعة البلد حيث معظمنا نتبع إن طريقة العطاء تساوي أحيانا أكثر من العطاء نفسه, حتى التواضع يبدو لي عطاء ذاتي.

لن أقول إن التاريخ قد أهمل دور المرأة وكأن التاريخ وقف على الرجال وكأن المرأة صورة لا تظهر إلا إذا كانت متفوقة في منصب أو مركز, لنحاول أن نزيل بعضا من ضباب التميز وليس من الرجولة إقصاء النساء بأي شكل, حيث إن نتائج الصراعات والتنافس والدراسات تؤكد إن النساء قادمات, فلا داعي لخلط الأوراق.

لماذا تبتسم وأنت تقرأ هذا الكلام الجريء؟ هل ابتسامتك رضا واستحسان أم سخرية واستهجان؟ اللهم يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف يا رب.

يقال وراء كل رجل عظيم امرأة, وإن النساء العظيمات يخلقن الرجال العظماء وعلى أرضنا نساء عظيمات, والعظمة صفة متأصلة ُتخلق مع المرء, أسمحوا لي بسؤال مفخخ وملغوم هل نبوغ المرأة عورة يجب مداراتها وإخفائها هل محكوم على المرأة أن تبذل قصارى جهدها ووقتها فقط في إعداد الطعام وترتيب البيت مثلا فالمرأة تختزن جبالا من الفكر وعفة اللسان وحسن الأدب والتواضع, لدي درجة وفاء لسيدات في خاطري ويا لعبير ذكراهن, وستبقى ذكرى دون نسيان وستبقى بإصرارنا جميعا على عدم نسيانها.

لقد رحلت تلك السيدة الفاضلة فجأة و بصمت ولم يكن في نفس أحد من القطيف إلا و بكى عليها, عاشت ملاكا بين الناس أحبها الجميع لكمال صفاتها, لم تكن تتدخل في شؤون غيرها هذا ما سمعته من الجميع بل لمسته بنفسي, وكانت تستبطن احتراما عجيبا لأهل القطيف, ماذا أخبركم عن تلك المرأة الراقية أم نبيل الزاير بهجة البيات رحمها الله, تلك السيدة لا تحتاج إلى من يتحدث عنها أو يخبر من هي ؟ هل أحد يختلف معي على تواضعها الملحوظ وبساطتها وكرم أخلاقها, وقيمة الكرم في بُعدها الإنساني النقي الذي يجسد النبل والجود بعيدا عن الوجاهة ومظاهر الزهو الذاتي والاجتماعي, كانت تمثل لي الجبل الشامخ الرفيع في سموه وفي ذات الوقت كأنها الوادي الصغير, وقد يظن القارئ لتاريخ تلك السيدة الرمز إنها من نسج خيالي, فعجبي من سخاء أخلاقها و ثقلها الاجتماعي كانت نموذجا للمرأة العظيمة والبسيطة في آن واحد, وهنا أحي أبنائها وبناتها على هكذا أم ذات الروح المرحة , وأقول بصدق لم تبدل سنوات رحيلها من حفر البصمة المحفورة على قلبي, ولعل كريمتها منى منصور الزاير تتذكر إنني لمحٌت لها منذ فترة رغبتي أن أجسد شخصية والدتها المميزة كمادة أدرسها لطالباتي بالإنجليزية, مدركة تماما الفائدة الاجتماعية ولعل البعض يقتدي بتلك السيدة الراقية من وراء مقالي, حاولت أن اكتب عنها بسخاء وبلا مِنة, فمشاعري تظل مزحومة في هذه الشخصية, حيث تلهمني تلك السيدة بصفاتها الرائعة جدا التي زرعته في أفق السماء فبكت على رحيلها طيور السماء , أي امرأة أنت تحملين بين ثناياك, التواضع والشموخ المخبوء خلف خبايا الروح ! رحمة سماوية ترافق مرقدك وإضاءة صافية تنير ضريحك الطاهر بحق ألف لا إله إلا هو العظيم الجبار.

وقوف القارئ هنا يضيف لي الكثير بما أكتب وسأحترم وجهة نظرك غير إنه ليس أكثر من مجرد كلام, سأنهي مقالي بصلاتي ودعائي وأنا لك يا قطيف أنحني وأقبل ترابك, وحينما تنام الطيور في أعشاشها تتراقص مخيلتي بمقال جديد. بنت القطيف: غالية محروس المحروس
ملحوظة مضى على رحيل السيدة الفاضلة أم نبيل الزاير بهجة البيات ١٥ سنة.


error: المحتوي محمي