كنتُ أعتقد أن الثقافة والمعرفة، والمستوى التعليمي، والعمل، والحرية، والكفاءة تلعب دوراً رائداً في سلوك الإنسان وتفكيره، وتنظيم حاضره ومستقبله؛ ليعيش أحلامه الوردية بهدوء، ويبلغ سؤله، ويحقق أمانيه؛ غير أني صدمت من نسبة الطلاق عند هذه الطبقة – أيضاً – والتي كُنتَ أظن أنها الأقل اختلافاً والأكثر تفهماً وانسجاماً.
وهذا يعني أن نسبية الاشتباه، والخطأ، وسوء السلوك، وسوء الاختيار، والعشوائية الإدارية، والبساطة المفرطة عند غير المتعلمين والأميين والتي كنّا نضعها علة للانفصال – يوماً ما – ليست سبباً رئيساً لذلك؛ ما دامت نسبة “الطلاق والاختلاف” عند الشريحتين المخملية المعاصرة والبسيطة ليست ببعيدة.
وعليه؛ فالفطرة، والتربية، والأصالة، والتغذية الطاهرة؛ قد تكون أهم من التعليم والثقافة والشهادات العلمية في حياة الإنسان وسلوكه في أحيان كثيرة؛ ولكن – ومن باب الموضوعية – ليست في مطلق الأحوال.
فهناك شرائح متعددة من المثقفين والمتعلمين وذوي الشهادات؛ يستحقون أن نغرسهم ألويةً خفاقة ترفرف على جبين الدهر بامتداد الحياة؛ لما قدّموه للبشرية من جميل العطاء، وعظيم الأثر، وكرم الأخلاق.
ولكن؛ إذا لم يغيّر العلم والثقافة والشهادات من طرائق التفكير لدى الناس للأفضل والأطهر والأجمل والأكثر اتساعاً وتقبلاً للاختلاف، ولم يتركوا بصمات حقيقية بارزة في سلوكهم وتعاملاتهم فلا قيمة لها.
بعض الناس يحملون عقولاً ثاقبة، ووعياً نوعياً، وفراسة، وكياسة، وعلوما، ومعارف لكنهم في حياتهم كمن يحملُ أسفاراً.
الانطوائيون والانعزاليون – تحديداً – لا تنفعهم الثقافات ولا العلوم ولا المعارف إلا غيضاً من فيض ما يحتاجون – مهما كانت ملكاتهم ومؤهلاتهم – وبالتالي نراهم يتخبطون عند أدنى عثرة، ويضلّون الطرق، ويمشون خلف السراب.
وتحديداً – هنا – أحمّل الأبوين المسؤولية الكبرى في هذه الانعزالية؛ لأنهما لم يساهما في علاجها منذ نعومة الأظافر، وبالطرق العلمية الصحيحة، فالولاية على الأطفال تحتاج لرعاية خاصة واهتمام وتوجه وليست تعدديةً في الإنجاب والإطعام والنفقة فحسب.
الحياة وتجاربها ومواقفها؛ هي أكبر جامعة بشرية حاضنة لكل العلوم والمعارف والخبرات، وهي أزكى مناهل السلوك الحياتي العلمي والعملي الخاضعين للتجربة، ومن لم يتعلم منها ما لم يتعلمه من الكتب؛ فما هو إلا غريق وسط البحر وقد أضاع البوصلة.
من لم تصقله تجارب الحياة ومواقفها فلن تصقله الكلمات مهما عظُمت.
الحب، والسكينة، والأمان، والرعاية، والمرونة، والتركيز على المشتركات التفكيرية والوجدانية، فضلاً عن التركيز على الإيجابيات والاستقامة وحسن الخلق عوامل رئيسة لاستقرار الحياة الزوجية، ولكنها لن تكون واقعاً ملموساً إلا إذا استشعر الزوجان أن العقد الشرعي هو حبل الله المتين الذي تذوبُ عنده كل الاختلافات والتجاذبات، وأنه يستحق التضحية والفداء.