لمن لا يعرف الابن البار لبلدة الجارودية!!!

الحاج حسن بن علي آل مدن ، هذا الذي يقترب عمره من الستين عاماً ، هو الابن البار الوفي لبلدة الجارودية بمحافظة القطيف.

هذا الرجل بحثت عن كلمات تصفه وتنصفه أو تفيه حقه فلم أجد، هو حالة قد تكون من الحالات الفريدة أو القليلة من نوعها في المجتمع.

الحاج آل مدن مضرب المثل في الطيبة والأخلاق وشخصية رائدة في العمل التطوعي، ليس على مستوى بلدته فقط بل امتدت يده المعطاءة إلى عموم قرى وبلدات ومدن محافظة القطيف.

الأمر الذي قد لا ينتبه له الكثير عن هذا الرجل هو أنك لن تجده في المحافل بمشلح أو بشت الوجاهة الاجتماعية كونه أحد وجهاء بلدته ورئيس جمعيتها الخيرية (رئيس مجلس إدارة جمعية الجارودية الخيرية) ومشرف على عدة لجان بينها مجموعة دار السلام المتخصصة بإكرام الموتى، ولن تجده يتسابق أو يسعى بالجلوس على المقاعد المخصصة لكبار الشخصيات في المحافل الاجتماعية مع الأخذ بعين الاعتبار بأن لكل مقام مقال، بل ستجده وبكل تواضع شديد وسط المشمرين عن سواعدهم في الميادين يعمل مع الجميع من البداية وحتى النهاية بلا كلل أو ملل لا يؤمن بالحواجز ولا يعرف الطبقية بل يشارك بسجيته.

علاقتي بالحاج آل مدن قد يكون عمرها 10 سنوات أو أكثر قليلاً ، لا أعلم بالضبط، ولكن أعماله التطوعية هي من قادتني للتعرف عليه بالصدفة كوني مهتم بنشر الفعاليات والأنشطة الاجتماعية في وسائل الإعلام المحلية وبعض الصحف الرسمية، وقد شاهدته يشارك في تنظيف المقابر وحفر القبور وتجهيز متطلبات مقبرة بلدته، وعندما أقول هنا يعمل لا أقصد بأنه كان يشرف وينظّر ويلقي الأوامر بل يعمل ضمن طاقم المتطوعين ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد بل وجدته في كل المحافل يعمل بيده ويشارك المتطوعين في كل صغيرة وكبيرة.

لن أتحدث كثيراً عن هذا الرجل ولكنني سوف أكتفي بذكر آخر موقف لي معه وهو: يوم الثلاثاء الماضي 3 شوال 1438هـ اتصل بي أحد الأصدقاء حوالي الساعة 12 من منتصف الليل يطلب سيارة نقل موتى لتذهب لمنطقة الغاط (حوالي 633 كم من الدمام) وذلك لإحضار متوفى توفاه الله وهو في طريقه للمدينة المنورة، وحاولت الاتصال ببعض الأخوة في هذا الوقت ولكن الأنظمة تمنع توجه سيارة نقل الموتى التابعة للبلدية إلى هناك، فقلت ليس لي سوى الاتصال برئيس جمعية الجارودية الخيرية الحاج حسن آل مدن رغم أن الوقت كان متأخر جداً، واتصلت به وقلت يوجد متوفى من القطيف وهو في الغاط ولا توجد سيارة نقل موتى هذا الوقت فهل يمكن الاستعانة بسيارة جمعية الجارودية وإبلاغ سائقها إذا كان لديه استعداد للذهاب؟، رد علي (إن شاء الله سيدنا)، بعدها أخبرته بأنني سوف أعطي رقم تلفونه للأخوة وسوف يتصلون بك ويمكن ربطهم بسائق سيارة الموتى إذا كان على إستعداد للذهاب، ثم توجهت للنوم، وفي صباح اليوم الثاني تفاجأت بوجود عدة مكالمات في جهازي وبينها مكالمة من آل مدن، فتوقعت بأنه يريد إبلاغي بأن سائق سيارة الجمعية توجه لإحضار الجنازة أو اعتذر عن ذلك، فاتصلت به وبعد التحية قال لي التالي: “سيدنا سوف نصل من الغاط حوالي الساعة الرابعة عصراً أرجو أن يتم فتح مغتسل الدبابية لاستقبال الجنازة” ، فقلت له: “سوف نصل أين أنت الآن؟” ، فقال: “أنا في سيارة نقل الموتى قادم من الغاط والجنازة في السيارة”.

إلى هنا وأنا لم أستوعب الأمر، فقلت في نفسي: أي رجل أنت يا آل مدن ؟ رئيس مجلس إدارة جمعية خيرية وحرفي في المهرجانات وحفار قبور عند الحاجة ومتطوع لتنظيف مقابر والقائمة طويلة!.

أنت فعلاً مثال للإنسان القطيفي.. وإن كان للطيبين أيام وزمان.. فأنت أيامهم وزمانهم.. فشكراً لك من كل أعماق القلب.


error: المحتوي محمي