قبل عدة أيام، وكما جرت العادة السنوية، قمت بالجرد السنوي الذي أمارسه بشغف وكسل في آنٍ معاً، لكل تلك الأوراق والقصاصات والصحف والمجلات والكتب والدروع والشهادات والبطاقات والدعوات والمسودات، جرد سنوي، أشبه بكشف حساب لعام مضى من عمري لكل ما قمت به من مشاركات وكتابات ولقاءات ونقاشات.
عادة موسمية ممتعة، أحرص على ممارستها منذ سنوات، أقيس فيها -أو هكذا أظن- المسافة التي قطعتها في دروب الأدب والثقافة والفن والإعلام والرياضة وغيرها من المجالات والقطاعات والتي شكّلت واستفزت ذائقتي وفكري خلال عام.
أعرف أنها قد تكون عادة يُمارسها الكثير غيري، فهي على كل حال عادة جميلة ومثيرة، وتستحق التجربة والاكتشاف، ولكنها أيضاً قد تكون مُخيّبة للآمال والطموحات، تجربة مثيرة وشيّقة كهذه، قد ترسم ملامح الدهشة والاستغراب، خاصة حينما تزدحم الملفات والأدراج والحواسيب والأجهزة والجدران والأرفف بكل تلك الأوراق والصور والشهادات والدروع.
في جردي الأخير، دُهشت من العدد الكبير لشهادات التقدير والتكريم التي غصّت بها ملفاتي وأدراجي، شهادات تقدير تُثبت حضوري لدورات وورش ولقاءات وفعاليات، وشهادات تكريم تُثني على مساهماتي الفاعلة في إنجاح تلك المهرجانات والملتقيات والأمسيات، شهادات سولفان فاخرة، تتألق فيها الألوان الزاهية والخطوط البديعة. شهادات مزركشة سميكة، مُعنونة بعبارات فارهة ومُذيّلة بتوقيعات فخمة.
وأنا أقلب وأتصفح كل تلك الشهادات الكثيرة والمتنوعة، ارتسمت في وجهي ضحكة ماكرة، وكنت على وشك أن أكتب خبيثة، ضحكة صامتة ولكنها تضج بالأسئلة:
ما فائدة كل تلك الشاهدات الفاخرة التي ضاقت بها الملفات والأرفف والأدراج؟، وهل تستطيع تلك الشهادات الكثيرة أن تُساعدني لأتجاوز الكثير من الصعوبات والتحديات في حياتي؟، ولماذا لا يكون التقدير والتكريم بأساليب ومستويات أخرى غير هذه “الشهادات”؟، وهل التقدير والتكريم المعنوي الذي تمنحه هذه “الأوراق” الأنيقة يُغني عن التقدير والتكريم المادي الذي يستحقه المنجز والمبدع؟، ولماذا لا يُدرج التقدير والتكريم في لوائح وسلّم المكافآت والترقيات؟
أسئلة كثيرة وكبيرة، تقفز من بين كل تلك الشهادات التي بهت حبرها وخفت وهجها، أسئلة لا تبحث عن إجابة جاهزة ولكن عن تكريم حقيقي.
المصدر: صحيفة الرياض.