بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن المرجعية الرشيدة هي صمام الأمان لشيعة أيتام آل محمد، فهي الحصن الحصين في وقت المحن والأزمات، وهي القناة الموصلة لفهم الإسلام الأصيل، إذ هي الأقدر على فهم القرآن العزيز والسنة المطهرة، أقصد قول المعصوم وفعله وتقريره، فكلما أصبح المرجع أعلم لفهم كلامهم صار أقرب إلى الحكم الإسلامي الواقعي، ولذلك وجب الرجوع إلى المرجع الأعلم في نظر العقل وجبلة الإنسان وأيضاً الشرع.
ومن ذلك برزت لنا مصاديق تامة في الأعلمية، ومن أبرزهم المرجع العظيم الكبير التقي الورع آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، قدست نفسه الزكية، فكان فقد هذا العالم الرباني خسارة لا تعوض.
أسرة آل الحكيم أنجبت الأعاظم في العلم والمعرفة والحكمة والورع والتقوى وأصحاب مناقب عليا قل نظيرها كالآيات العظام السيد محسن الحكيم وأولاده، ومنهم السيد يوسف والسيد عبد الصاحب وغيرهما من المجتهدين والفضلاء من الأولاد والأحفاد، وكذلك من أسرة آل الحكيم مثل سيد محمد علي الحكيم، والد المرجع محمد سعيد، وأيضاً السيد محمد تقي الحكيم، صاحب كتاب “الأصول العامة للفقه المقارن”، والذي هو قمة في العلم والمعرفة.
وكذلك السيد محمد حسين الحكيم الأستاذ القدير في الحوزة العلمية، والذي اغتال البعث ثلاثة من أولاده أمام ناظريه وغيرهم من أسباط السيد محسن الحكيم مثل المرجع السيد محمد سعيد الحكيم.
ولقد تميز المرجع السيد محمد سعيد الحكيم بخصائص كثيرة، وأهمها الذكاء والفطنة والحفظ والمثابرة في طلب العلم والمعرفة، فحضر عند الأعاظم من العلماء ومنهم جده لأمه الإمام السيد محسن الحكيم والشيخ حسين الحلي، وهو أستاذ الفقهاء والمجتهدين ولم يتصد للمرجعية زهداً منه، وهو أحد أساتذة سيدنا المعظم السيد السيستاني دام ظله، وكذلك حضر أبحاث أستاذ الفقهاء والمجتهدين سيد الأساطين السيد أبو القاسم الخوئي قدست نفسه الزكية، فغرف واستنار من هؤلاء الأبرار وهو صاحب القابلية العظمى، حتى أصبح أعلم علماء العالم هو مع نظيريه الشيخ وحيد الخراساني والسيد السيستاني بلا منازع لهم في دنيا العالم السيد الحكيم يستحق أن يكتب عن صفاته ومناقبه، وكل ما يكتب فهو قليل في حقه ولا يفي بمقامه وشأنه.
ومن أبرز ما تميز به هذا المرجع العظيم حسن التنظيم وقوة الإدارة، والدليل على ذلك مؤازرته ومعاضدته ومناصرته ومشاورته لسيد الطائفة الإمام المعظم السيد السيستاني كمناصرته في الوقوف في الجهاد الدفاعي المقدس فهذه المناصرة من اعظم الأمور فتصرفا هما مع باقي المراجع جامعي شرائط الفتوى بالحكمة، وتحمل المسؤولية بكل كفاءة وصبر وحزم، فكان جهادهم الرفض في ميدان الرفض والسلم في ميدان السلم والصبر في ميدان الصبر والجهاد في بذل المهجة في ميدان الحرب والقتال، وهم أبطال السلام الحقيقي، فهم من حفظ العراق وغيره من سفك الدماء وهتك الاعراض والاعتداء على الأموال والمقدسات والمقدرات.
أيضاً تميز بعمل المؤسسات والنشاطات التبليغية، فكان فيها الدعوة إلى الله والعمل الإسلامي بشتى صوره بالحكمة والموعظة الحسنة بالحجة والبرهان والإقناع باللغة المعاصرة الكاشفة غير المتشنجة، والتي تنفر الجماهير من الإسلام.
أيضاً تميز هذا القطب وهذا الطود الشامخ وهذا الفذ بالشمولية في مرجعيته، فلم تقتصر مرجعيته على مسائل الحلال والحرام وحسب وإن كان هذا أمراً عظيماً، إلا أن السيد لم يقتصر على ذلك بل تخصص وأبدع في أمور كثيرة، ونظر لأمور فكرية إبداعية عديدة في أمور العقيدة بأصولها وفروعها والإلمام التاريخي التحليلي في واقعة الطف وأمور السير لأن أول الدين معرفته.
فليس التفقه في نظر السيد الحكيم في مسائل الحلال والحرام، وإنما في أصول الإسلام وأيضاً تلاحمه مع الجماهير وتلمس حاجتهم وتقديم المعونة بكل ما أعطي من قوة وإرشادهم للخير وتوجيهه بالدعوة إلى الإسلام بالعمل لا بالقول انطلاقاً من أقوال الأئمة المعصومين كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً وكونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم وأيضاً تواصله مع العشائر للتأثير.
عليهم أن يعملوا بالإسلام لا بالحكم العشائري، كذلك التلاحم لكل طبقات المجتمع، وقد نجح سماحة السيد ولذلك زحفت العشائر لتشييع جسده الطاهر، وذلك لحبه لهم وحبهم له وقد تميز بالاهتمام بأوضاع الشيعة في مختلف دول العالم، وقد فتح المراكز وشيد المعاهد التعليمية والإرشادية، إضافة إلى أمور الخيرات بجميع أشكالها.
إن أمر هذا السيد العظيم معجزة من معاجز الدهر، إذ لا يمكن لشخص في سجون مظلمة وتعذيب مثل سجون البعث وهو يؤسس مدرسة أشبه بالتعليم العالي ويخرج أساتذة وطلاباً أفذاذاً يشار لهم بالبنان ويصنف ويؤلف كتباً إبداعية تنظيرية تخصصية، ولا يفهم هذه الكتب إلا من عنده حظ عظيم من العلم، أليست هذه معجزة من معاجز الدهر، فهو وحيد عصره ونابغة من نوابغ الزمان وفلتة من فلتات الدهر، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً ورزقنا الله شفاعته.