لم تكتمل خطيئةُ زليخا التي همَّت بها؛ لأن يوسفَ عليهِ السَّلام، قالَ: لا للخطيئة، وعفَّ عنها. ومن ثمَّ، لو عفَّ كلُّ الرِّجالِ عفَّت كلُّ النِّساء، وإن لم يكن كذلك فإنَّ الرَّجلَ الذي لا يعفّ ويكفّ ويمتنع عن متابعة أعراضِ غيره، مثله مثل الذي ينصب فخاخَه وشباكَه، ثم يقع هو فيها!
عن أبي عبدِ الله (عليه السَّلام) قال: “بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفوا عن نساءِ النَّاس تعف نساؤكم”، وصفة سحريَّة لكي يتخلَّص المجتمع من الخطايا النَّاتجة عن قلَّة العفاف، فلو كل رجلٍ عفَّ عن النظرِ والتلصّص ومتابعة نساءِ غيره، لم يجد الشيطانُ مدخلًا ينفذ منه. والعفاف سمة يحبها الله في الرِّجال – أيضًا – وليس فقط في النِّساء وفيها قالَ الإمامُ عليّ عليه السَّلام: “ما المجاهد الشَّهيد في سبيلِ الله بأعظم أجرًا ممن قدرَ فعف، لكادَ العفيفُ أن يكونَ من الملائكة”، والعفَّة ضروب: عفَّة اليد، وعفَّة اللسان، وعفَّة الفرج، وهي العظمى.
ما أعفّك يا موسى: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، قالَ: قالَ لها شعيب: يا بنيّة هذا قويّ قد عرفتِه بدفعِ الصَّخرة، الأَمين من أينَ عرفتِه؟ قالت: يا أبتِ إني مشيتُ قدَّامه فقالَ: امشي من خلفي فإِن ضللتُ فأرشدينِي إلى الطَّريق، فإنا قومٌ لا ننظر في أدبارِ النساء.
يُروى أن ابن سيرين كان يقول: ما غشيتُ امرأةً قط في يقظةٍ ولا نوم غير أمّ عبدِ الله وإني لأرى المرأةَ في المنامِ وأعلم أنها لا تحلّ لي فأصرف بصري عنها، وقال بعضهم:
وإني لعفٌّ عن فكاهةِ جارتي * وإني لمشنوءٌ إليَّ اغتيابهَا
إذا غابَ عنها بعلُها لم أكن لهَا * صديقًا ولم تأنس إليَّ كلابُها
ولم أكُ طلَّابًا أحاديثَ سرِّها * ولا عالمًا من أيّ حوكٍ ثيابُها
وقالَ مسكينُ الدَّارمي:
ما ضرَّ جارًا لي أجاوره * ألا يكونَ لبابهِ سترُ
أعمى إذا ما إذا جارتي خرجت * حتى يواري جارتي الخدرُ
خلاصة الكلام: الرَّجل النَّبيل لا يبحث عن النوافذ والشَّبابيك في البيوت، لعله يجد نافذةً أو شُبَّاكًا يطلّ منها على أعراضِ الناس، بل يأتي البيوتَ من أبوابها، أمَّا لو التزمَ الرِّجالُ بالنبالةِ والعفَّة، لم يبق للنساءِ إلا أن يكنَّ كذلك، عفائف!