في صباح ذلك اليوم انتابتني حالة من المشاعر المختلطة بين السعادة والخوف بعد أن أخبرني الطبيب بضعفٍ طفيف في نظري مما يضطرني إلى استعمال نظارة طبية، مع أن الخبر غير سعيد ولكنه يعود بي لطفولتي البعيدة حين كنت أتمنى لبس النظارة مثل بعض الأطفال في صفي المدرسي ولا يهمني أن أصاب بضعف النظر مادام سيوصلني إلى غايتي، ولعل ما شعرت به من سعادةٍ غريبة هي بقايا أمنيةٍ دفنتها في صغري وحُفرت لي الآن.
هذه المشاعر المختلطة بين أماني الماضي الطفولية والقلق المبني على رصيدٍ صحي بدأ بالتناقص ولا ندري أين ومتى يقف بنا، يجعلنا نقف لننظر لأنفسنا بريبة، هل ما نذكره من ذواتنا وأحلامنا هو جزء من ذاتنا اليوم التي أضيف إليها الكثير من التجارب والمعلومات؟ أم أننا الآن بقايا ما كنا عليه ذات يوم بعدما أخذت الحياة منا ما أخذت.
لوهلةٍ تبدو الإجابة بسيطةً ومنطقية لدرجة سُخفها إذ ما نحن إلا ما كنا عليه إضافةً إلى ما مررنا به من خبرة ومعرفة، وإذا كان كذلك فما هذا الحنين لذاتٍ هي موجودةٍ فينا أصلاً وما هذا الحنين للحظاتٍ قد تكون ضمن سياقٍ زمني غير سعيد، ألسنا الآن أكثر سعادة وكمالاً مما كنا عليه بالأمس؟!
نحن لا نستطيع النظر لأنفسنا بعمق لنتأملها بوضوحٍ وصدق إلا بمعزل عن انشغالاتنا وحياتنا اليومية التي انخرطنا بها حتى صار يصعب علينا عزلها عن ذاتنا فقد باتت مشاغلنا ومعلوماتنا بسياقات الحياة المتغيرة جزء منا بحيث لا يبقى لنا إلا الرجوع بالذاكرة لما كنا عليه على شاطئ البراءة قبل أن نغرق في بحر الحياة.
ارتباطنا بتلك الحالة أو ما بقي بنا منها وإخلاصنا لها بأسئلتها وأمانيها ورغباتها بكل ما بها من وضوح يبعث على السكينة هي ضمان عدم ضياعنا في حياة سريعة الوتيرة كثيرة التغير مشغلةً للبال والذهن لا تبقي داخلنا شيئاً منا نرجع إليه لنذكر كيف كنا قبل كل هذا.
في ظني؛ المرء الذي ينشغل بصراعات الحياة ليكسبها ويتغلب عليها بما تفرضه عليه من تغير وتحول يتلاءم مع ما يريد لا يخسر إلا نفسه، التعالي على ما كنا عليه بحجة ما امتلكناه من معرفة وخبرة تجعلنا لا نحتاج استحضار تلك اللحظات بحنين هو تشوّه طغى فيه تقييم غرورٍ لحظي على سردية لكل لحظةٍ من لحظاتها دورها وأهميتها في خلق ما يجدر بنا أن نكون.