المشاكل المستعصية تحتاج حلولًا إبداعيَّة، من خارجِ المألوف، والمألوف في مجتمعنا أن يخطبَ الرجلُ المرأةَ، وليسَ العكس. لكن تحت وطأة العنوسة ومرور السَّنوات وتضاؤل الفرص، هل تموت البنتُ الجميلةُ العفيفة المتعلِّمة دونَ أن يكونَ لها حظٌّ في الزواجِ والولد؟
أظنه خيار صعب، ويحتاج تغييرًا في نمطِ البحثِ عن الشَّريكِ المناسب، ومن يبدأ بالخطبة، الرجل أم المرأة، وكيف؟ مع أن في التَّاريخِ والتراث أمثلة على خطبةِ المرأة للرجل – نحن – نفخر بها، وكانت النَّتائج مبهرة. فهذه ابنة النبيّ شعيب عليه السَّلام أشادت بالنبيّ موسى عليه السَّلام عند والدها ومدحته، وقالها النبيّ شعيب دونَ مواربة: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}، وحدَّد المهر {عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ}.
ثم كلُّنا اتفقنا على أنّ السيِّدة خديجة عليها السَّلام هي التي بحثت عن النبيّ محمَّد صلَّى اللهُ عليه وآله، وباقي الأحداث قادت إلى أرقى زواجٍ في الدّنيا، ثم أرقى نسلٍ في تاريخِ البشريَّة. فهل هو عرض للبضاعة، وفيه إهانة للمرأة؟ أم لابدّ من تغيير المفاهيم، أين ومتى ما أمكن، قبل أن تتساقطَ سنواتُ عمر الفتاة وتضمحل الفرص في حقٍّ مشروع ومندوب له خُلقًا ودينًا؟ وهي طريقة ليست مستغربة أو مستهجنة في بعضِ البلدان والمجتمعات، والنتائج ليست بالضرورة سيِّئة، وحتى الزَّواج التقليديّ في مجتمعنا الذي فيه يخطب الرجلُ المرأةَ ويسعى لكسبِ ودِّها، من المحتملِ جدَّا أن ينتهيَ بكوارث!
ليس من السَّهلِ أن تتغلب المجتمعاتُ على ما اعتادت عليه دفعةً واحدة، فهل لا يجوز أن يكون محرّك الزَّواج يبدأ من جهةِ المرأة – إذا كان من رجلٍ يستحق – وهي فعلًا طريقة جربت على نطاقٍ ضيِّق، ونتائجهَا ناجحة؟!
كشكول من الأسئلة طرحتها على القارئ الكريم، ليس عندي جوابًا عنها، مع أن الأمران فيها واحدٌ مرّ وهو العنوسة للشبَّان والشابَّات، والثَّاني أقلّ مرارة، وهو تغيير بعضِ العادات لا غير، وقد يستحق المجازفة. ومن ينظر حوله يرى أن في كلِّ بيتٍ وخلفَ كل خدرٍ شابَّات يملكنَ من مؤهلاتِ العلمِ والجمالِ والمكانة ما يطمح له ويطمع فيه كلُّ شابّ، ويوجد مثل ذلك من الشَّباب الذين يبحثون عن زوجاتٍ لو توافقت الفرص!