دفة مراكبنا

من مقومات الشخصية الناجحة أنها تمتلك رؤية مستقبلية واضحة منسوجة الأهداف والقدرات والآليات التي يحتاجها في سبيل تحقيقها، كما أنه يغتنم أوقاته ويكرس جهوده في تخطي المراحل المتعاقبة دون ملل أو كلل، فكم من شاب وفتاة قد ضيع الكثير من أوقاته ولما يبرح دائرة الفراغ والضياع، بينما كان بحاجة ماسة لمن يرشده ويضعه على سكة الإنتاج والإنجاز.

وكذلك مواجهة المتاعب والمشاكل تحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية لتجاوز تلك العقبات، فالحياة بالنسبة له ميدان عمل ومثابرة يأخذ فيه زمام المبادرة، ويعمل على صنع الفرص التي تمهد لبلورة أفكاره وتحقيق طموحاته، فلا يمكن للحياة أن تنتظر أحداً يضيع وقته ولا يستثمر أوقاته ولا يمتلك إرادة التغيير والتطوير.

كما أن علاقاته بمن حوله من الأصدقاء يضع لها معايير تقوم على الانسجام والتوافق والتناصح، فكم من إنسان يمتلك فكراً وإرادة ولكن مفعولها وقدرتها قد ضعفت بسبب أقرانه الذين كانوا يدفعونه نحو الإهمال والكسل، فالتأثر بمحيط الأصدقاء في فكرهم وسلوكهم من أبجديات العلاقات الاجتماعية.

كما أن تنظيم الوقت وتنويعه بالنشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية والترفيهية ينمي شخصية الفرد ويكسبه المهارات اللازمة للتعامل مع الواقع والتخطيط للمستقبل، فالتنمية الفكرية غذاؤها الانفتاح على القراءة في مختلف الحقول المعرفية، كما أن الجلسات الحوارية مع أصدقاء يمتلكون الوعي والنضج يثري ملكته العقلية، كما أن اليقظة الروحية والتغذية الإيمانية تكسبه الطمأنينة وواحة البال والبعد عن حالات القلق والاضطراب النفسي.

والجانب الترفيهي لا يمكن إغفاله، إذ إن النفس التي تكبل بالضغوط الحياتية والتأزم بسبب الجهود التي يبذلها في سبيل تحقيق طموحاته، لا بد لها من متنفس يتمثل بممارسة الهوايات المتنوعة لتتجدد طاقته ويستعيد توازنه الفكري والوجداني، وكذلك بالنسبة لعلاقاته الاجتماعية الوازنة يكتسب منها التقدم والازدهار وتلقي عليه ظلال الشعور بالأمان والإحاطة بسور المحبة.

وما يواجهه الإنسان من هموم ومشاكل وعراقيل تختلف النظرة إليها بين فرد وآخر، فهناك من يستغرق في أحزانه وتحيط به كالشرنقة لا يعرف الخروج منها فتستنزف طاقاته وتشل إرادته، فيلوذ بالصمت ويحار فكره في أسباب وقوعها ويجتر الآلام، وآخر يجد في الأحاديث المتكررة والمملة وإعادة تفاصيل مشكلته متنفساً لعله يجد فيه ما يخفف عنه عبء الحالة المزرية التي يقاسيها!!

بينما الإدارة الناجحة لما نمر به من مشاكل هو استيعاب الموقف وتحديد حجم المشكلة، ومن ثم البدء في البحث عن حلول ومعالجات تخرجه من عنق الزجاجة، كما أن العقل الجمعي حاضر في استشارته لأصدقائه وطلب المعونة منهم.

ومن الأمور التي تدل على إدارتنا لحياتنا بشكل خاطئ هو الاهتمام والعناية بما لا يفيدنا ولا يمسنا من قريب أو بعيد، إذ إن ذلك مضيعة للوقت والجهد تورثه المتاعب النفسية وتحرفه عن بوصلة الإنجاز.

وهناك من يقع في مصيدة محكمة تكبل قواه وتصيبه بالانهيار النفسي وفقدان الثقة بالنفس، ألا وهو المقارنة بالآخرين والانشغال بما هم عليه من نقاط القوة وأبواب النجاح، إذ ينهمك بمتابعة أخبار الغير حتى يصاب بالحسد والنظرة السوداوية للمستقبل، فإن كنت حقاً مقارناً بأحد فليكن أنت، فانظر لأمسك ويومك واجعل غدك أفضل، فعندك من القدرات والمهارات ما تستطيع أن تطور وتنمي بها شخصيتك، وتلاحظ ذلك من خلال تخطيك المراحل واحدة تلو الأخرى فيكسبك ذلك كمالاً ورقياً، والمهم أن نبحث عن نقاط القوة في شخصياتنا لتعزيزها وتنميتها، كما أن نقاط الضعف والتقصير تحتاج إلى معالجة.

وتقبل الواقع بما فيه من عقبات وصعوبات وظروف قاهرة يهدئ من روع النفس أمام ما تشاهده، ويجنبها شبح السقوط في هاوية اليأس والاستسلام، وتقبل الواقع لا يعني تكتيف الأيادي عن المبادرات والخطوات الفاعلة والمتسلسلة في طريق الحلول، بل هي قناعة وقراءة متأنية وعمل بحسب الإمكانيات للتغيير نحو الأفضل.

وأما تعاملنا مع ما نواجهه من نقد وإبداء وجهات نظر لما نقوم به، فإنه يعد رافداً هاماً لتصحيح الأخطاء والاستمرار بقوة نحو الإنجاز، فلا تهتم لمن يمتهن تكسير المجادف وتحطيم طموحاتك، فشتان ما بين نقد إيجابي هادف يعالج نقاط ضعفك ونقصك، وما بين من يتصيد أخطاءك ويعمل على تهويلها وتضخيمها ليسقطك نفسياً.



error: المحتوي محمي